في السنوات الأخيرة، تسارعت وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي بشكل غير مسبوق، ليصل إلى مجالات لم يكن من المتخيل أن يتغلغل فيها بهذه السرعة، ومن بين هذه المجالات: السينما. فلم يعد من الغريب أن نرى أفلاماً قصيرة أو مقاطع دعائية يتم إنشاؤها بالكامل بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، من كتابة السيناريو، إلى الإخراج، إلى التمثيل الصوتي، بل وحتى إلى "الممثلين" الرقميين.
لكن في خضم هذا التقدم التكنولوجي، يطرح سؤال نفسه بإلحاح:
هل سيفقد الجمهور المتعة التي طالما ارتبطت بالفن السابع؟
.
سهولة الإنتاج تفقد العمل قيمته
واحدة من الأسباب التي تجعل الفيلم السينمائي فناً جميلاً هي الجهود البشرية التي تُبذل فيه. من كاتب السيناريو الذي يقضي أسابيع في بناء الشخصيات، إلى المخرج الذي يضع رؤيته الخاصة، إلى الممثل الذي يعيش الدور ويتفاعل معه إنسانياً. هذه الرحلة المليئة بالتحديات هي ما يضفي على الفيلم طابعه الخاص وعمقه العاطفي.
.
أما مع الذكاء الاصطناعي، فقد أصبحت العملية أسرع وأسهل، لكن على حساب العمق والروح. الفيلم الذي كان يُنتج في شهور أو سنوات، قد يُنتج الان في أيام، وربما ساعات.
النتيجة؟ أعمال بصرية مذهلة من الخارج، لكنها تفتقر في كثير من الأحيان إلى الحرارة الإنسانية التي تُحرك المشاعر.
فقدان اللمسة الإنسانية
الذكاء الاصطناعي قد يبدع في التركيب البصري، وصياغة الحوارات المنطقية، بل وحتى في "تخيل" مشاهد تشبه أحلامنا. لكنه لا يشعر، ولا يعاني، ولا يحب. الفن في جوهره انعكاس للإنسان، وهمومه، وتطلعاته، وصراعاته. ومع تغليب أدوات الذكاء الاصطناعي، نخشى أن تُستبدل المشاعر بالتقنيات، والحكايات الحقيقية بحسابات خوارزمية باردة.
.
هل نحن أمام عصر "السينما الصناعية"؟
قد يقودنا هذا التطور إلى ظهور ما يمكن تسميته بـ"السينما الصناعية"، حيث تُنتج الأفلام بناءً على ما "يتوقع" أن يريده الجمهور، لا ما يشعر به المبدع أو يعبر عنه. هذه السينما قد تخلق محتوى يُدمن مشاهدته، لكنه لا يترك أثرا عميقا. كما تفقد السينما حينها أحد أهم أدوارها: التأثير الإنساني والتغيير الاجتماعي.
.
التوازن هو الحل
الذكاء الاصطناعي أداة قوية، ولا يمكن إنكار فوائده. لكنه يجب أن يظل أداة في يد الإنسان، لا بديلا عنه.
الحفاظ على متعة السينما يكمن في دمج هذه التكنولوجيا بذكاء، دون التفريط في جوهر الفن الإنساني. فما يجعلنا نحب فيلماً ما ليس فقط جودة الصورة أو تناغم الموسيقى، بل تلك اللحظة الصادقة التي نشعر فيها بأن هناك إنساناً خلف الكاميرا يهمس لنا بشيء حقيقي.