قد يحدث عادة أن تتغير مشاعر شخص ما تجاه شريكه لأسباب عديدة منها: الملل أو الروتين في العلاقة، تغير الشخص نفسه أو الشريك، أو اكتشاف جوانب أخرى في الطرف الآخر لم تكن في الحسبان. في كل الأحوال هذا يترك لنا طرفًا محبًا وطرفًا محاصرًا داخل خندق لا يستطيع الخروج منه، فمن جهة يشعر بتأنيب الضمير تجاه شريكه والوقت الطويل الذي قضوه سويًا، ومن ناحية هو يجد نفسه لم يعد قادرًا على العطاء أو إظهار الحب. النتيجة في كثير من الأحيان تقودنا للخيانة كما حدث في فيلم Gone girl أحد أفضل أفلام الغموض من حيث الحبكة والأداء، ومن شاهده منكم فبالتأكيد يعرف كيف تمت مقابلة هذه الخيانة بأخبث انتقام يمكن أن يخطر على عقل بشر. البعض يظن أن بصبره ومراجعة نفسه والتمثيل أمام شريكه يمكن أن يتحمل حتى تعود مشاعره تدريجيًا من جديد، والبعض يرى أن المواجهة والمصارحة ضرورة حتى لا يقع الشخص في دائرة الخداع والخيانة، فبالإضافة إلى أيًا منهما هم الأفضل كحل لهذه المعضلة، أيعني تغير المشاعر عدم صدقها أو قوتها منذ البداية؟
فيلم gone girl: إذا تغيرت مشاعرك نحو شخصًا ما، تواجه الأمر وتصارحه بذلك أم تتدعي استمرارها وتحاول العمل على مشاعرك بمفردك؟
لقد زوّج النبي صلى الله عليه وسلم زيدا بن حارثة من زينب بنت جحش رضي الله عنها (بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورغم ان انه صحابي جليل وصحابية كريمة والعقد من توجيه نبي مرسل، كان زيد رضي الله عنه يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله أريد أن افارق! فيجيبه النبي: امسك عليك زوجك واتق الله، ظل زيد على هذه الحال مرات عديدة حتى أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالطلاق..
فالعبرة ان الرسول صلى الله عليه وسلم ماهانت عليه العشرة والعلاقة لينهيها بعد اول شكوى من زيد وانه لم يعد يشعر انه يستطيع الاكمال في العلاقة، اعطاه فرصة واخرى واخرى لعل المشاعر بينهما تعود..فلما لم ينفع ذلك كان الطلاق برضاية وطيب نفس.
فكذلك هنا الامر.. لو كنت انا من شعرت بزوال مشاعري تجاه الطرف الاخر، لن انفصل مباشرة بل ساعطي العلاقة فرصة واخرى واخرى محاولا التجديد (ربما بسبب الملل فقط) محاولا ومجربا عدة حلول، لا اترك ولا اخون، فإذا تبين لي أن لا جدوى من محاولاتي وطال الامر، فأصارح الطرف الاخر به واحاول جعل الفراق يكون طيبا حفظا لما كان بيننا من ود.
وما الذي يجبر شخصًا على المضي في علاقة لا يشعر فيها بالحب الحقيقي أو العاطفة؟ التغيير في المشاعر ليس بالضرورة دليلًا على عدم صدقها أو قوتها منذ البداية، بل قد يكون نتيجة للعديد من العوامل مثل التراكمات النفسية أو الظروف المحيطة، لذلك في رأيي المواجهة والمصارحة تعتبران الحل الأمثل، لأن الاستمرار في علاقة بلا مشاعر حقيقية يؤدي إلى الخداع للطرفين ويزيد من الألم، والصدق مع النفس ومع الشريك هو أساس العلاقة الناجحة، وعلى الإنسان أن يتخذ قرارًا صريحًا بناءً على مشاعره الحالية وليس على توقعات لمشاعر قد لا تعود.
الإنسان يظن أنها فترة تغيير مؤقتة ويقوي هذا الشعور هو الإحساس بالذنب نتيجة استمرار حب شريكه له، يعني تخيلي اثنين تزوجان عن حب لسنوات وكل منهما متعلق بالآخر أو الآن أصبح أحدهما فقط دون عن الآخر، من الطبيعي أن يشعر الشخص الآخر بالذنب بل وأحيانا شعور بالخيانة لأنه كسر وعودا قد عهد بها مثل البقاء معا للأبد، كل هذه المشاعر تجعل الإنسان في حيرة من أمره حيث يظن أنه واجب عليه الاستمرار بسبب ما وعد به وبسبب الحب الذي يعطيه إياه شريكه مع أمل أن تعود المشاعر مرة أخرى، بمبدأ إذا أحببت هذا الشخص مرة فلن يكون صعبا أو مستحيلا حبه مرة أخرى.
أليس من الظلم أن نعيش في علاقة تحولت إلى عبء دون أن نكون صرحاء مع أنفسنا أولاً؟ هناك خيط رفيع بين الوفاء والتضحية، وبين العيش في حالة من الإنكار لما نشعر به بالفعل. بينما قد يظن البعض أن التمسك بالماضي هو الطريق الوحيد للحفاظ على الاستقرار، إلا أن الحياة لا تقف عند لحظة معينة، بل هي مسار مستمر. لا حرج في أن نعترف لأنفسنا أننا لم نعد نشعر بما كنا نشعر به بعد محاولات نتيجة عوامل متراكمة مثل التغيرات في شخصيات الأطراف أو البيئة المحيطة.، وأنه حان الوقت لكي نتوقف عن تقديم أنفسنا على مذبح التوقعات الاجتماعية. التغيير جزء من طبيعتنا، ومن قال إن التغيير في المشاعر يعني نهاية كل شيء؟
وماذا عن الطرف الآخر الذي مازال متمسكا، مخلصا، متعلقا بشريكه الذي تغير عليه فجأة؟ لنتخيل موقف هذا الإنسان الذي سيستيقظ فجأة ويجد شريكه يخبره أنه لم يعد يحبه ويريد الانفصال عنه! كيف يتعامل هذا الإنسان مع صدمة خسارة شخص يحبه لهذه الدرجة وعاش معه فترة كبيرة ولا يتخيل حياته بدونه؟ بالأخص لو كان هذا الشخص لا حياة له بعيد عن شريكه، بمعنى أنه لم يكن يهتم سوى بواجبات زواجه فقط، هذه الحالة ستنطبق على النساء بالأكثر ولكن أتحدث بشكل عام دون تخصيص، أليس التفريط بهذه السهولة أنانية وظلم لهذا الإنسان الذي ذنبه الوحيد أنه مازال محبا؟
موقف مؤلم جدا، خصوصاً إذا كان الشخص الذي يتعرض لهذه الصدمة قد بنى كل شيء حول شريكه. لذلك عندما يحدث التغيير المفاجئ، يشعر الشخص وكأن الأرض قد ابتعدت من تحت قدميه.
لكن في نفس الوقت، علينا أن نتذكر أن مشاعر الطرف الآخر قد تتغير مع مرور الوقت أيضًا. في بعض الأحيان قد يشعر الشخص بأن استمراره في علاقة لم يعد يلبي احتياجاته أو رغباته، وهنا تكمن التحديات في أن يتقبل الطرف المتعلق هذه الحقيقة. على الرغم من الألم، فإن العلاقات الصحية تحتاج إلى التوازن بين الحب والاحترام المتبادل لكل طرف، وليس فقط التمسك بشدة بالشريك.
تغير المشاعر يمكن أن يحدث لأي شخص في أي علاقة، وهذا لا يعني بالضرورة أن المشاعر لم تكن صادقة أو قوية منذ البداية. العلاقات تتطلب جهدًا مستمرًا من الطرفين للحفاظ على الحب والاحترام والاتصال العاطفي. الملل والروتين يمكن أن يكون لهما تأثير كبير على العلاقة، وقد يجعل الشريكين يشعران بالابتعاد عن بعضهما البعض.
أحيانا أتساءل إذا كان المشاعر متغيرة لهذه الدرجة فكيف يعطي الناس وعود بالبقاء إلى جانب بعضهم البعض للأبد، وكيف يتزوجون بهذه السهولة! أنا لا اتخيل في يوم أن استيقظ لأخبر شخصا ما أنني لم أعد أريده في حياتي لأنني مللت أو لم أعد أحبه كما كان من قبل أو أن أسمع أنا هذا الحديث! أنظر لكثير من العلاقات التي لم يتخيل الناس يوما أنها قد تنتهي وقد انتهت بسهولة وبدون أي مقدمات! كيف يتعامل الإنسان مع هذه الحالات وكيف يواجه مثل هذه الصدمات؟
هذه النقطة تتحدد على حسب قيمة الشخص بالنسبة لي، فأحيانا أفضل الانسحاب ولا أصارح، وأحيانا أصرخ في وجهه إذا كان من أملكه من مشاعر تجاهه أقوى من الانسحاب
أما الانتقام فهو فعل بشري طبيعي، والخيانة ليس لها الا الانتقام
فأحيانا أفضل الانسحاب ولا أصارح.
ألا تظن أن الانسحاب دون توضيح هو ظلم للشخص! لماذا نترك إنسان لم يفعل بناء السوء ونتخلى عنه فقط لأنه لم يعد مثير للاهتمام مثلما كان من قبل ونجعله يوميا يتساءل ماذا فعل وبماذا أخطأ ليتركه شخصا عزيزا عليه بهذه الطريقة؟
التعليقات