تثبت لنا السينما يوماً بعد يوم قدرتها على تقديم أفلاماً مبهرة على الصعيد الفني والإنساني.. هذه الأفلام القادرة على ترك بصمة حقيقية فى نفوسنا، وتجبرنا إجباراً على البحث وراء القصص الحقيقية المستنده عليها أحداث هذه الأفلام..لكن مع فيلم The Man Who Knew Infinity ومع بحثنا عن أصل القصة الحقيقية، تبين لنا أن بعض الأحداث قد طمست طمساً للتغطية على بعض الأمور الحساسة.

يحسب للفيلم المنتج فى بريطانيا، قدرته على التعرض للغرور البريطاني العتيد، وعدم قدرة أساتذة الجامعة المتخصصون فى الرياضيات الإعتراف بقدرة طالب هندي فقير على هزيمتهم جميعاً، لكن القصة لم تبدأ فى انجلترا، بل بدأت فى الهند، تحديدا فى 1913 .. يستعرض الفيلم قصة حياة الشاب فسرينفاسا أينجار رامانجن وقدرته الفذة على ابتكار المعادلات الرياضية الهامة والتى توفر الوقت والجهد للوصول لحلول لأعقد المسائل الحسابية.

على الرغم من فقره المدقع وزوجته الشابة المسئولة منه، إلا أن رامانجن يقرر السير وراء حلمه للنهاية، ويبدأ فى مراسلة كبري الجامعات فى انجلترا بخصوص قدرته على تفسير أعقد المعادلات الرياضية.. لكن المذهب الهندوسى الذى يتبعه يمنعه من السفر، مع تسلط والدته وتشددها الديني، لكن رامانجن الممسوس بجنية الأرقام والحسابات يقرر تجاهل كل شىء وشد الرحال الى انجلترا.

لا يتقبل أساتذة الجامعة البريطايين فكرة أن يُقدم شاب هندي كانت بلادهم تستعمر بلاده لإكتشاف ما يعجزون هم عنه، فيتعرض لسلسة من الإنتقادات والسخرية والتعنت فى المعاملة، خاصة مع اندلاع الحرب العالمية وشعور الجنود بالحقد على الشاب الهندي القابع فى أروقة الجامعة بينما يواجهون هم خطر الحرب وحدهم.

كل هذه المشاعر استطاع الفنان (ديف باتل) تجسيدها ببراعة منقطعة النظير، ولعب المكياج دور مهم فى تقريب الشكل بين الفنان الهندي والعالم الذى لا نعرف عنه سوي صورة فوتوغرافية واحده لعب القائمين على الفيلم بكل الحيل الممكنة للتقريب بين شكل (ديف) و (رامانجن).

الموسيقي التصويرية هى الأخري كان لها نصيب الأسد فى أحداث الفيلم، وان افتقر الفيلم للاستعراضات أو الأغاني، بل كان أكثر ميلاً للجانب الدرامي التراجيدي للأحداث، وفى حقيقة الأمر فأن الفيلم لم يكن يحتمل أي استعراضات او اغاني، وان كان المشاهدين يحتاجون لجرعة من الأمل وسط الفيلم الذى يجسد المعاناة التى لا تنتهي لبطله.

لم يتعرض صناع الفيلم للإستقبال الحافل الذى حظي به رامانجن فى الهند، ويبدو أن صناع الفيلم كانوا يحاولون ترسيخ فكرة الدولة المتقدمة التى تحترم العلم والعلماء (بريطانيا) فى مقابل الدولة الجاهلة التى تنتشر فيها الأكاذيب باسم الدين (الهند)، لكن القصة الحقيقية وراء الأحداث تحكي ما هو عكس ذلك، ولا نعرف لماذا تم تجاهل هذه الحقائق والإكتفاء بالإشارة لبعضها كتابة قبل دقائق من تترات النهاية!

الدرس المستفاد الذى نخرج به من قصة فيلم The Man who knew infinity ، ان العنصرية ليست حكراً على فئة أو جنسية بعينها، وأن حتي البريطانيين مارسوا عار العنصرية من قبل ضد العديد من الدول التى احتلوها، لكن المشكلة الحقيقية والتى تحتاج منا اعادة نظر ودراسة واحساس كبير بالعار، أن بريطانيا وان مارست العنصرية فقد مارستها فى 1913 وما قبلها، بينما لا نزال نحن نمارس عنصريتنا بعد ما يزيد عن مائة عام.. فهل نتعظ من قصة عالم الرياضيات رامانجن؟!