على الرغم من الدعاية التى تظهر الفيلم الأمريكي الهوليودي No Escape على انه أحد افلام المغامرة والتشويق، الا ان الأسئلة التى يطرحها الفيلم والتى تظهر بوضوح فى الربع الأخير من الأحداث تلقى بظلال قاتمة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولا سيما الاتفاقات الأقتصادية التى تعقدها الدولة الأغني والأقوي فى العالم.

قصة No Escape

يبدأ الفيلم بمشاهد افتتاحية للمهندس (جاك دواير) المتخصص فى بناء السدود، والذى حصل للتو على فرصة عمره بالسفر لأحد الدول الأسيوية بناء على عرض أمريكي لأستثمار اختراعه الذى يحسن طريقة بناء السدود على الأنهار وتطبيقه فى هذه الدولة الأسوية التى فضل المخرج (جون اريك دودل) عدم ذكر اسمها، وإن اشار لموقعها على حدود (فيتنام).

لا يلقي (دواير) استقبالاً حاراً فى المطار كما كان يعتقد، ثم يكتشف انقطاع البث التليفزيوني عن الفندق الذى يقيم فيه، وعندما يحاول الخروج من الفندق لشراء الجرائد المحلية، يبدأ فى اكتشاف حقيقة الوضع الذى تورط فيه.. فالدولة الأسيوية التى قدم اليها للتو تعاني ثورة حاشدة من الأهالى الغاضبين على المشروع الأمريكي الذى سيقيم سداً على النهر الذى يعيشون من خيراته.

تتفاقم الأحداث مع تفاقم الثورة، وتحولها لنزاع مسلح تفشل الشرطة المحلية فى التصدي له، فتمتليء الشوارع بأهالى المدينة الغاضبين الباحثين عن اى مواطن أمريكي لقتله علنا فى الشارع، انه اليأس عندما يتسلل للنفس البشرية فيحيلها لكتلة من الغضب والعنف المتفجر بلا هواده.

يبدأ (دواير) فى محاولة الهروب من الفندق الذى يحاصره الأهالى الغاضبين، بصحبة زوجته (لوسى) وابنتيه الصغيرتين. رحلة الهرب التى تستهلك وقت الفيلم كله تسحبنا لعالم من الأثارة التى تصل فى بعض مشاهد الفيلم لحد كتم الأنفاس عندما يقع (دواير) وأسرته فى فخ لا يمكن الفكاك منه، فقط ليتدخل الرجل الغامض فى الأحداث وهو (هاموند) والذى نكتشف انه ظابط بالاستخبارات البريطانية، وهنا يبدأ الفيلم فى الأجابة على التساؤلات التى تُركت دون اجابة خلال الأحداث المثيرة.

حوار مميز

الحوار بين (دواير) و (هاموند) يكشف الكثير من الأسرار.. يقول (هاموند) بلهجة العالم ببواطن الأمور: ان دولتينا –يقصد الولايات المتحدة وبريطانيا- هى التى اوصلت الأمور لما نحن عليه.. فالدول العظمي لديها مصالح فى هذه البلاد، حينها نتدخل اقتصاديا فيها ونوهم رجال الحكم بقدرتنا على توفير حياة افضل واكثر رخاء من خلال مشاريع وهمية، وعندما يبدأون فى الاستدانة منا يكونون قد اصبحوا ملكاً لنا للأبد!

التحول الجذري فى الأحداث او ما يطلق عليه Twist والذى نشاهده قرب نهاية الأحداث يجعلنا ندرك أن (دواير) ومن هم مثله ربما لا يكونون بهذه البراءة التى شاهدناهم عليها فى أول الفيلم، او ربما هم ايضاً ضحايا جانبيين للسياسة الاقتصادية الاستعمارية للدول العظمي، والتى تمتص البلاد اقتصادياً دون التدخل عسكرياً وخسارة العتاد والرجال فى معارك معتاده.

يقول (هاموند) : هؤلاء الرجال القساة اللذين يسعون لقتلك، هم ايضاً يحاولون حماية مستقبل ابنائهم من امثالنا!

الفيلم هو واحد من سلسلة طويلة من الأفلام الأمريكية التى تفضح الحكومة الأمريكية ذاتها، ولعل اشهر هذه النوعية من الأفلام فيلم (القبلة الطويلة قبل منتصف الليل) او The Long Kiss Goodnight  وهو فيلماً تجارياً لم يكن ليتم الالتفات اليه الا بعد احداث 11 سبتمبر حيث يكشف احد مشاهد الفيلم احد السيناريوهات المحتملة لاحداث سبتمبر قبل اكثر من 5 سنوات من حدوثها بالفعل!

أفلام أخرى

ولا يمكن ايضا ان ننسى الفيلم المتميز JFK والذى قدمه المخرج اوليفر ستون بالتعاون مع الممثل كيفن كوستنر، والذى حاول فضح دور الحكومة الأمريكية فى عملية اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي.

العامل المشترك بين هذ الافلام هى جرأتها وقدرتها على فضح التدخلات الامريكية.. الاقتصادية فى حالة No Escape والعسكرية فى حالة Long kiss goodnight و السياسية فى حالة JFK

على الصعيد الفني يمكن القول ان الاداء التمثيلي للابطال (اوين ويلسون) فى دور (دواير) و (بيرس بروسنان) فى دور ظابط المخابرات (هاموند) كان متميزاً، واستطاع (بروسنان) أداء الدور بما يتطلبه من مشاهد حركة واشتباك واطلاق نار على الرغم من تقدمه فى السن، كما عزفت الموسيقي التصويرية بما يتناسب مع طبيعة الحركة والاثارة فى الفيلم. كما امتاز الحوار فى الفيلم على الرغم من ندرته بقوته وقدرته على التاثير فى المشاهدين وكشف غموض الفيلم فى التوقيت المناسب