تمتاز مدينة جدة بالمنافسة الشديدة بين وكالات الإعلان العالمية ، لذلك كان طوق النجاة أمامي وأنا أقود شركة إعلان محلية في عمل فرانشايز مع وكالة تسويق عالمية وعندما راجعت الاتفاقية وجدت عدة نقاط اشترطتها الوكالة الأمريكية منها : تخصيص مساحة ترفيهية في مكان العمل تتضمن بلاى ستشين وأدوات رياضية ، تعديل بعض ابجديات العمل كالغاء نظام الحضور والانصراف إعادة هيكيلة الموظفين ، تخصيص يوم الخميس يوم للمصارحة.

كانت شروط الشركة الامريكية للوهلة الأولى عجيبة وفيها تحد للثقافة المهنية المتعارف عليها في الوكالات المحلية ،لكن بعد المفاوضات تقبلت الشركة الامريكية ملاحظاتنا في إدارة العملاء ،ومراعاة القيم السعودية في نوعية الأعمال المنفذة الخ .

وكان الانسجام سببا رئيسي في نجاح تلك السياسة الجديدة مما أدي لرفع مستوى إنتاج فريق العمل وزيادة الحصة السوقية ، وكان الدرس الذى تعلمناها إنذاك إن لكل ثقافة ابعادها وأن أى طرف يعمل على تهميش ثقافة الآخر سينعكس ذلك سلبا على الجميع.

ولعل هذا ما حدث بالضبط مع عملاق الصناعة الالمانية "مرسيدس" عندما قرر الاستحواذ على وهج الصناعة الأمريكية "كرايسلر" ، فدفعت مرسيدس 36 مليار دولار للاستحواذ على كرايسلر وكان الاتفاق أن تكون الإدارة مشتركة ، ولكن يبدو إن تحقيق التعاون شبه مستحيل.

فقد قام شريب المدير التنفيذى لمرسيدس بحيلة تفاوضية أقصى فيها كل مدراء كرايسلر واستبدلهم بكوادر المانية فكان عام 2000 عام استقالة كبار تنفيذيي كرايسلر بداية من الرئيس ثم أتبعه تسعة من كبار المدراء بما فيهم المصمم الشهير توماس جيل وتم فصل باقى الفريق ، واستعان شريب بفريق ألماني ، وكانت التوقعات أن تزيد أرباح كرايسلر 5 مليارات بعد الصفقة ، ولكن السياسة التى اتبعتها مرسيدس من تسريح 26.000 موظف وغلق ستة مصانع وتحديد الانتاج.

جعل كرايسلر تستنزف مرسيدس مالياً ، حتى استسلمت الاخيرة وباعت كرايسلر عام 2007 بما قيمته 850 مليون دولارفقط ، في واحدة من أكبر الصفقات الخاسرة في السوق .

تكررت هذه القصة مرة أخرى مع Dongfeng Peugeot-Citroen حيث قامت بيجو بالتعاون مع Dongfeng الصينية بإنشاء أول مصنع لتصنيع السيارات المشتركة في الصين فكانت المشكلة الرئيسية التى واجهت هذا التحالف هو توافق الثقافات بين الفريق الفرنسي الذى لا يفهم الصنيية ومتعصب لثقافته والكوادر الصينية التى ترى في تاريخها حضارة ضاربة الجذور، فإنعكس ذلك على انتاج المصنع ، فمنيت الشركة بخسائركبيرة ولم تحقق أى نجاح في السوق الصينى.

وعندها قرر مجلس الادارة إعادة الربط بين الثقافة الصينية والفرنسية فقاموا بعمل مدينة بجوار المصنع على الطراز الفرنسي تعج بالمطاعم والمقاهي والمدارس وأقاموا بعثات للفريق الصينى للاطلاع على الثقافة الفرنسية ،كما قام أقاموا دورات الكوادر الفرنسية لدمجهم في المجتمع الصينى بتعلم عاداته وقيمته وكانت النتائج مذهلة حيث زاد الانتاج بشكل غير متوقع.

التنوع الثقافي هو مصدر إثراء للحضارات والواجب علينا احترام تلك الثقافات وفهمها والتعامل معها و احترام الثقافة في التسويق أولى خطوات قبول الجمهور للمنتج، وهناك العديد من الشركات التى سقطت في وهم الابداع مهملة ثقافة المجتمع الذى تستهدفه ، فكان نتيجة ذلك فشل حملاتها التسويقية واستهجان الجمهور لها كما حدث مع اعلان بيبسي الذى دعى للتظاهر ضد رجال الشرطة ، واعلان يوينفلير التى لصابون دوف الذى تم وفق نمط عنصري ، حملة سيارات أودي عندما ربطت جودة منتجاتها وأصالتها بمراسم العرس الصيني مستخفة بتلك المراسم .

الشاهد فيما سبق إن احترام ثقافة الاخر لا يتحقق الا بإشراك الاخر نفسه والاستماع اليه ، والانسجام مع تلك الثقافة لإن ذلك في النهاية يدل على الوعي بقيمة المجتمع وخصوصيته ، وكما قال الصديق العزيز د. عبيدالعبدلي .. احترموا ثقافتنا