بقلم علي سليم – لبنان

نصحو على صوت زقزقة العصافير وأشعة الشمس الضاربة بنورها سطح الأرض , هو صوت حفيف الشجر , ورائحة عبق الورد تفوح . كل شيء يوحي بأن السكون قد حل , وبأن ألوان قوس قزح تكاد تلوح في الأفق . أسس لنا حياة تكاد ترسل لنا صوتا من بعيد قائلا : ( إنكم في لوحة منمقة ألوانها , يكاد اللون الأزرق الدال على النقاء والصفاء يغرس مرساته في بحر طبيعتنا . ولكن ما يعكر صفو الصمت العميق هو دبيب اقدام انسان أتى بمهمة( خليفة لإعمار الأرض) , هو متعهد اصلاح وبناء , قد رست عليه المناقصة بأن يكون من يمثل المبادئ الكبرى على ارض متسديرة , قد خطت على سطحا ملايين الاقدام , وكلها بهدف ورسالة .

انعكس المشهد داخل البئية الاستبدادية الظلماء , عندما فقد الخليفة اتجاه البوصلة الصحيح , فذهب في خارطة طريق محفوفة بالفساد والقتل , وهما ما تساءلت عنهما الملائكة عندما جعل الله سيدنا آدم خليفة في الأرض فقالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) وبالرغم من وضوح المشهد , إلا أن الخليفة اختار أن يخوض تلك التجربة الى ما لا نهاية , فوضع له الدين النهاية بقوله ( إما جنة وإما نار ) . إحتار الإنسان تجاه المشهد الحاصل ما بعد الموت , هو عالم الغموض الذي لم يصلنا منه الا القليل , فطريق اللاعودة الذي سلكه كل الاموات أسدل الستار عن تلك التفاصيل والتي ستعمق اليقين بأن الحساب واقع , ولكن الحكمة اقتضت اختبار النفس والعقل والروح والجسد , رباعية الأعمدة التي تحمل تلك الرسالة التي عجزت عنها الجبال .

حل المشهد المستبد , وتم اقفال المذياع لاسكات أصوات العصافير , واعتلى الخليفة المنبر قائلاأمام الجموع ( لا اريكم الا ما ارى ) , هو المشهد الفرعوني أمام محكمة الزمن , يكبل القدرات ويتحكم في مفاصل العقول . هو واقع تشكل امام التسلط إمام بالقوة الصلبة أو القوة الناعمة .

أصبحت تلك الأرض مكانا لصناعة الخوف , وقتل الإمكانات , ومن ثم القضاء على كل مظاهر الجديد فيها . هي صراع بين القائم والقادم . بين النائم والحالم , والوقود هو جهل الإنسان ليقاتل به أخيه القادم لحساب من هو قائم . فالقائم يعتبر نفسه صاحب التراب , شكل لونه ونوعه ومكوناته التي تحمي عرشه عليه . واستمر المشهد ...

إستمر المشهد لينقل الى كل بيت ومحضن , لينتشر في كل عقل ترجمته السلوك لتشكل واقعا حذرا وقلقا , فالكل يقاتل ذاتيا ليدافع عن الحرية التي سلبت , وذلك بحثا عن الحياة في ارض الحرية المرسومة داخل الخيال , نخاف ان نخرجها الى الوجود , خوفا من أن نفقد وجودنا . أما عن لغة الإستبداد فحدث ولا حرج , فإما تهديد ووعيد , وإما نصيحة لتقييد أي جديد خوفا من هدم عروشا قد اقيمت وصروحا شيدت على حساب جهل المجتمع .

تلك خواطري وذاك عقلك , فإبدأ بكسر قيودك التي أوهمت بها نفسك , فجعلت عليك حارسا شرسا , تخوف به نفسك إلى ما لا نهاية , فتنتهي الحياة لتفوح من عقلك وجسدك رائحة العبودية , تلك التي جاءت الاديان لمحوها من داخل عمق المجتمعات . ذلك كلام قد كتب , ولدينا قلوب نفقه بها .