بقلم : خديجة الشارفي

مقال نسج من خيوط أفكار تكونت نتيجة سلسلة من المشاهد الواقعية المؤلمة في مجتمعنا الصغير، مشاهد أصبح التعليق عليها أكثر من البحث عن الحلول.

"كوني له أمة يكن لك عبدا"، أعجبتني هذه المقولة و استوقفتني قليلا لأتأمل جيدا في ما تحمله حروفها من معنى ثم بدأت تتردد إلى ذاكرتي الصغيرة مجموعة من المشاهد المرعبة ثارة و المطمئنة ثارة أخرى مشاهد قلت فيها سلام على امرأة تحملت و أسفاه على رجل تجبر و ألف شكر إلى رجل عطف و قدر.

في حي انتقلت إليه حديثا كنت أجلس بالقرب من النافذة ألقي نظرة على أسطر الرواية التي بدأت بقراءتها للتو و ثارة تتجه مقلتاي نحو النافذة بطريقة غير مبالية، و أنا منغمسة بأفكاري استوقفني صراخ و أنين تكتسيه آهات من الحزن و المعاناة، كلمات جارحة بصوت خشن جهوري، نهضت بخطوات متثاقلة، في كل خطوة يتجمد تفكيري و يكاد قلبي يتوقف، بعدها سمعت بابا أغلق بطريقة عنيفة، بدأ ذلك الصراخ يبتعد و يختفي و فؤادي يصدر صوتا كاد يصم داخلي، يدعوني للذهاب إليها ربما تحتاج شخصا يربت على كتفها يجعلها تصدق أن من أخبرها بأن الزواج ستر و غطاء، مودة و رحمة لم يكن كاذبا، ربما تحتاج يدا تضمها ضمة الأم و قلبا حنونا يكون لها أذن الأخت.

طرقت بابها فوجدتها المرأة الضعيفة التي لا حول لها و لا قوة، التي لم تكمل دراستها لسبب من الأسباب فتعيش في بيت أهلها و هي تنتظر ذلك الفارس الذي يجعل لفؤاده الأيادي لحضنها، عندما صارت قرة عينه صار لها ذلك المبعثر المدمر لأحلامها الذي يجعلها عاجزة، ليست قادرة على الرجوع إلى الخلف لتعود لبيت أهلها فيضربون بمشاكلها عرض الحائط و لا يستطيعون تحمل فكرة مطلقة في بيتهم. يرجعونها إليه كطائر مكسور الجناح فتعيش بقلب ميت مكيفة مع الظروف. لتكمل الباقي من عمرها مع من يحمل فكرة الغلبة للأقوى و كأن العلاقة الزوجية حرب باردة، يجب عليه أن يكون السباق دائما في تطبيق خططه لجعلها تحت السيطرة يا إما بسبب شك زائد أو غيرة مرضية فيبدأ بالأمر و النهي، بالتحريم و الإيجاز متناسيا ما جاء به الإسلام من توصية في معاملة المرأة، فاستغل طاعة الزوجة و حولها إلى عبودية واجبة و نسي ما أكرمهن إلا كريم و ما أهانهن إلا لئيم.

فأعدت طرق بابها لأجدها تلك التي استطاعت إكمال دراستها لتجد عملا يضمن لها العيش الكريم، و يمكنها من رد و لو القليل من جميل والديها، لتجلس في انتظار قدرها متلهفة لحياة زوجية سعيدة، ترسم كل يوم أحلاما بأبهى الألوان فتصادف ذلك النوع الذي يحتكر راتبها الشهري، و تصبح كتلك الدمية المتحركة تتحرك تحت إمرة ضغوطات العمل و ضغوطات أشغال البيت و ضغوطات المعاملة القاسية ناهيك عن ضغوطات الحياة، ليأتي و يضع رجليه فوق بعضهما و يبدأ بإعطاء الملاحظات هذا الطبق مالح زيادة عن اللزوم و هذا غير صالح و لماذا هذا هنا و ذاك هناك لتقف هي مسمرة غير قادرة على الحركة لا تستطيع الإفلات منه لحملها فكرة ذهب القطار ولا تستطيع الزواج ثانية، فتفضل أن تبقى حاملة لقب المتزوجة، و لخوفها من أن تصبح مطلقة في مجتمع لا يرحم و هذا حديث آخر.

هذه نبذة صغيرة من المشاهد التي وجدت خلف ستار ذاكرتي، هي قصص مليئة بالحزن و الألم و العنف الجسدي و المعنوي، فهي ليست من وحي خيالي و لا من قصص سمعتها، إنما هي قصص شهدت عليها مقلتاي مما جعلني أتجمد من الصدمة لوجود نماذج كهذه، و نحن نملك كلام الله و سنة نبيه فتحية لك سيدتي على تحملك و صبرك الجميل و لطفا منك سيدي اقتد برسولنا الحبيب صلى الله على اله و سلم الذي قال عن أم المؤمنين رضي الله عنها " إني رزقت حبها ".

شكرا و ألف تقدير و احترام لرجل عرف قدر زوجته، و فهم جيدا معنى العلاقة الزوجية و اتبع ما أتى به ديننا الحنيف، فاحترمها و قدرها و أعطاها حقها بما أوصى الله عز وجل. كان لها زوجا حين أسندت له ظهرها باعتباره جبلا و كان لها أخا حين أرشدها ونصحها و خاف عليها من أخطائها و كان لها أبا حين احتواها من ظروف الحياة.

الرجل سيدتي ليس بشيطان و أنت لست بملاك أو العكس، فالمثال الذي افتتحت به مقالي مفاده أن تكوني له أمة يكن لك عبدا، فلا ترتدي سترة المظلومة و تنتظرينه عبدا في حين أنك دخلت على علاقة زوجية و أنت محملة بأفكار تدعوك للتسلط و الجبروت. فتريدين أن يقال لكلامك سمعا و طاعة، و تحسبين أنك الناجحة بزواجك بجعله خاضعا، أو تكون لك تلك الذاكرة القاتلة التي من أول نقاش تقومين بفتح ملفات قديمة و كأنك تحملين بيدك حبل مشنقة تجعلينه يبحث عن أي طريقة للتملص، أو أنك تنتظرين ذلك التجمع النسائي لترمي بعيوبه كي تصبحي مسكينة في نظرهم وما هو إلا العكس ستكونين فقط علكة في أفواه الآخرين أو أنك في أول مشكلة تحملين الهاتف لتجعليها تصل إلى مسامع والدتك المسكينة ثم تكونين سببا في نشر الضغينة بينهم. فهذه من الشرائط القصيرة التي مرت أمامي و أنا أقف موقف المشفقة على الرجل.

إن المرأة جزء منك يا سيدي، فأمنا حواء خلقت من ضلع سيدنا ادم عليه السلام، و كما أشار البعض سميت بامرأة لأنها خلقت من المرء، فأنتم تكملة لبعضكم البعض و ليست إنسانا آليا تجعله تحت سيطرتك و هي مسكن و موطن لك. و أنت سيدتي الرجل خلق ليكون سندا و وطنا لك لا بنكا و لا دمية متحركة و لا عصا سحرية بل قواما عليك و صائنا لك. هذه كانت بعض من الأفكار التي تراكمت بداخلي خنقتني من كثرت تراكمها، فحان الوقت لتصدر صوتا.