كم تمنيت في صغري أن أكون محقق شرطة عندما أكبر، ربما لـ سينشي كودو والافلام البوليسية التي كنت اشاهدها بين الحين والاخر تأثيراً علي، لكنّي رغبت بذلك رغبة حقيقية، في مقتبل نضوجي أيقنت أني لن أكون ضابط ’شريف’ وأحيا حياة ’كريمة’ في آنٍ واحد، هذا ما يحدث في مصر التي احمل جنسيتها ولم اختر ذلك، فتمنيتُ أن أكون طياراً، بدأ هذا الحُلم يزدهر في عيني، بالطبع مدارس الطيران في المنطقة العربية لن استطيع سداد مستحقاتها ولو جمعت دخل اسرتي بالكامل لخمس سنين قادمة، وحتى تلك الرخيصة في دول جنوب شرق آسيا لم يأتني عنها انطباعات جيدة أبداً، لم أجد بُداً من تقبّل الواقع، تخرجت من الثانوية مع أصدقاء هم أفضل من رافقت، اعتقد أن كل واحدٍ فيهم كان قد وضع مسبقاً كلية نصب عينيه للإلتحاق بها، كنت أتجنب الخوض في أحاديثهم عن المستقبل، وكان أصعب سؤال يوجه لي هو: ما هي الكلية التي نويت الالتحاق بها؟ .. كنت استجمع كل مهاراتي في تغيير المواضيع وتشتيت انتباه المتحدث في تلك اللحظة، وعن شخصٍ حُرِم من شغفه الحقيقي لم يجد ما يملئ فراغه الداخلي الكبير، اضعت قرابة الثلاث سنوات متنقلاً من كلية لأخرى ومن جامعة لأخرى، التحقت خلالها بأربع كليات، وأساليب خروجي منهم مختلفة، لم أجد مخرجاً من إلحاق نفسي بكلية لم احبها ولن احبها فقط ارضاءً لوالداي ولحفظ ماء وجهي أمام هذا المجتمع البائس حتى لا يقترن اسمي بالفشل في نظرهم، وها انا الآن في طور إكمال مشواري الجامعي الذي حتى لو تخرجت منه بإمتياز، لن أشعر بالرضا أبداً عن نفسي، فهذا الإنجاز لم اختره، وهذا النجاح لم أُرِده، طريقٌ سلكته مرغماً ووصلت لنهايته، أو ربما افرح لأني انتهيت منه.

ما زلت أبحث عن شغفي، عن ما يمكنه ملئ فراغ كياني، وحُبِّبَت إلي الكتابة، فهو متنفسي الواقعي الوحيد الذي رأيتني مدمناً عليه، ربما أكونُ كاتباً يشار له بالبنان يوماً، على الأقل ... هذا ثالثُ ما أصبو إليه.