لا أدري تحديدا لماذا أعتبره يوما فارقا في عمري؛ ربما لأنني ظللت أحسب حسابه قبل أن أصل إليه بشهور أو حتى بعام أو عامين، ربما لأنه يوم خيمت علي فيه مشاعر مختلطة، ولكن في مجملها حزينة... ففي هذا اليوم أدركت أن القادم من سنين عمري- على الأغلب- لن يكون أكثر مما مضى.. وجدتني لا إراديا أضع كشف حساب لنفسي، كشف حساب لما أنجزت في السنين الخالية وما لم أنجز، وشعرت أن المنجزات ليست بالكثيرة، وصرت ألوم نفسي على تقاعسي في أمور... وترددي في أمور... وخوفي من أمور... بل وأتساءل لماذا كنت عقلاني جدا في كثير من الأحيان... كم تمنيت لو كنت أكثر جنونا وجموحا حينها... لا إراديا صرت أنظر كثيرا في المرآة وأرقب ملامحي وأرقب معدل ظهور الشعيرات البيضاء في رأسي.. هل صار أسرع من ذي قبل؟.. صرت ألتفت إلى طعامي وشرابي.. أصحي هو أم لا؟..وانا الذي لم أرقب هذا الأمر يوما...هل علي أن أمارس الرياضة؟... نعم يجب ذلك.. كيف لم أهتم بذلك الأمر من قبل؟... منذ اليوم صار لكل ساعة قيمة، لا ينبغي أن أضيع يوما فيما لا يفيد.. فكل يوم ضائع يضاف إلى هذا العقد من عمري... صار العمر رقما مهما عندي أكثر من ذي قبل، فصرت أفتش عن أعمار كثير من الناس الذين لم أعر هذه المسألة عنهم أي أهمية من قبل، وصرت أتأمل وجوههم لأرى أثر العمر عليها.. هل هو باد أم يبدون أصغر أم يبدون أكبر... على الرغم من تفاهة هذه الاهتمامات التي أضيفت إلى عقلي إلا أنني- وياللعجب- أشعر بأنني اكتسبت الكثير من الحكمة تمثلت في استصغاري لأمور كنت استعظمها قبل شهور فقط... تمثلت في استغرابي لاهتمامات شباب وبنات العائلة.. أحقا هذا ما يشغلهم؟... تمثلت في استشعاري لبراءتهم ونقائهم، المتمثلة في نظرات عيونهم، ولم أكن أرى هذا فيهم فقط قبل شهور... حقا إنه يوم فارق في عمري... يوم بلغت الأربعين!