بقلمي و بكل هدوء . . بعيدًا عن صخب وضجيج الحوارات.

(1)

بَعْدَ مُنْتَصف الليّل في عَيْنَيْك..

أعْتَرفُ لَهُم أنَّ الحَديثَ عَن العُزْلَة مُنذُ عَهْدكَ في دَفاتِري

كَان كذْبَة / كَبيرة مَكْشوفَة مُتَعَمَّدَة.

وَأنّ واقعَ وُصولي إلَيْكَ بَعْدَ مَسافَة مَشرقيْنِ وَمَغْرَبيْنِ كانَ في بِـداية الأمْر ثلاث خطواتٍ/ صَغيرَةٍ خَجولَة مُتَردِّدَة.

وإنّي كُلّما اسْتَرَقْتُ النّظر إليكَ من نافِذَة خلوَتِكَ أدْركتُ فيكَ خَصائِلَ جَديدة كريمَةٍ نَبيلَة مُتعدِّدة.

.

.

(2)

بَعْدَ مُنْتصفِ الليل في عَيْنيك..

أُشبهُ في حَضْرتك كَثيرًا فكرة شَديدة التَّعْقيد بِها أَلف عَلامَة اسْتِفهام وَفاصلتيْن وَألف عَلامَة تَعجُّب وَنقطة واحِدة. . !

أشبهُ عَصْرًا جَليديًا قاسيًا أو حقْبَة ثَوْريَّةً مُظْلمة أو علْمًا جَديدًا ذا منفَعة أو فَلسفة يونانيَّة قَديمة أومَقطوعة لاتينيةً هادِئَة.

أُشْبهُ أوّل كَذبَة تفتتحُ بها حَديثك وآخرُ كذبَة تُغلقُ بها شفاهك وَكَذبات مُتعدّدة لفقها التّاريخُ مُنذُ آخر عَهْدِ الخُلفاء الراشدين وتُلَفّقها حاليًا بكثافةٍ وَسائل الإعْلام المَرْئيَّة والمَسْموعَة والمَجَلات والصُحُف اليَوميَّة المَحليَّة. .!

.

.

(3)

بَعْد مُنتَصف الليل في عَينيك..

أصغرُكَ بأعوام ثلاثَة وَأفوقكَ عقلًا بسنين عشرة . .!

أحيك لك من الحَديث خَمسون حكمة و فائدَة وَأسْبقكَ في مَنازل الطَّيش بمئة وخَمسين منزلة . . !

آتيكَ بِذاكرَة مَفقودَةٍ فَأصومُ عَن الحَديثِ مَعَكَ لبضعِ ساعاتٍ وبِضْع دَقائق وأُصَلّي للهِ بيقينٍ في مِحْرابِكَ وأنا التّي لا أملكُ عِصْمة الأنْبياءِ وَلا حَصانة المُتقين ولا أعْتنقُ مذهبًا فكريًّا مُعيَّنًا ولا أتَّصِفُ بِصدْقِ مَرْيم الصِّدّيقة..!

آتيكَ لا أمْلكُ إلا سَلامَة الجَوْهر وَحُسْنَ المظْهَر وَأدبَ الحَديثِ وصَفاء النَّفسِ ولُغَة رَشيقة!

آتيك أُفتّشُ عَنْ الحُبِّ على هَيْئةِ رَسائل ذات غلاف ورْديّ في جيوبكَ، أو عَلى هيئةِ تَعبيرٍ أمْلسٍ من شِفاهك ، أو عَلَى هيْئةِ وَرْدَة بَيْضاء تَلُفُّها بإحكامٍ عَلى سياجِ نافِذَتك،أو عَلى هيئة نظرة خرساء وأخرى ناطقة من فُؤادِك. .!

.

.

(4)

بَعْد مُنتَصف الليل في عَينيك..

أشْعلُ فَتيلَ التّمَني وأطفئُ فَتيلَ الواقع وَأبْني جسرَ وصلٍ يَمتـدُّ بَيْننا وَلايَنْتَهي..!

أقمعُ ثوراتَ الغُرور في داخلي وَأقايضُك بحُبك مُقابلَ حُبّي، وأكشفُ أمامكَ كُل أوراقي وَأدفُن في الرّوحِ ماسَبقَ من أسْراري . .

أصدّقُك حَتَّى وَإنْ لَم أشأ ، أصدّقُك حَتَّى لَو أخبَرْتَني أنَّ الثَّلْج يتكوّنُ في فصْلِ الصَّيف وأنّ السَّنةَ إحْدى عَشر شَهْرًا وأنَّ سيبويه عالم فيزياء وَأن ناتج ضَرب اثْنين باثنين يساوي في عِلم الحِساب تسْعَة ، وأنّ عَنترَة بنُ شَداد من أصْلٍ فارسي!

.

.

(5)

بَعْد مُنتَصف الليل في عَينيك..

لا أؤْمنُ بالحُظوظ السَّيئة ولا أعْترفُ بالنهايات الحَزينة ولا أهْتمُّ لدكتاتورية عقرب الساعَة ولا أقتنع بسُلطة الأعْراف ولا خُرافة المُعتقدات ولا الموروثات البالية !

أراقصُ الأنْسام العابِرة وأحصي الأنْجُم البارقة وَأرسلُ رسائلي مَع سرب اليمام إلى القََمَر وَأرفعُ سياسَة حظر التّجولِ التّي فَرَضتها منذُ أعوام علَى قَلبي، وأحرر مَشاعري من قيودها القديمة إلى أفلاكها الجديدة.

أُوَدعُ نهايَة الحَديث مَعكَ وَألوحُ بيدي يُمنة ويَسرة حَتّى يرحل طيفُك بَعيدًا عنّي قَبْل أن تَراهُ عينُ لائمٍ لئيم وَأطوي سجادة الحَرير وأجمعُ أوراقي المُبَعْثرة وأُعيد تَرتيب الوسائد المُهملة ثم أطفئ سراج حلم جَمعني بك وأغادرُ مجلسي. .!