(لا أعلمُ ما فائدة هذا الموضوع في الحقيقة.. رغبتُ بكتابته فحسب، المجتمع اسمه "خاطرة" على أيّة حال)

أعتقدُ أنه عند العمل على أي مشروع تعاوني مع مجموعة من الأشخاص، سواء كان ذلك في الجامعة أم العمل أم في نشاطٍ تطوعيّ، فلا بُدّ دائماً أن تبرزَ تلك الشخصية الفذّة التي تسعى لتنظيم كل شيءٍ بطريقة فائقة وضبطِه في مكانه الصّحيح الدّقيق، ومع أنَّ تلك الشخصية تكونُ مكروهة على الأغلب، لكن عادةً - أو كثيراً - ما يُنظَر إلى النظام على أنّه أمر إيجابي ومرغوب، لكن هل هو كذلك بالضّرورة؟

لتعاسة حظي أنّ "مديري" في العمل، ولسببٍ ما فإن حسّ الأمانة القوي عندي يُحتّم عليّ إيضاح أنّه يُشرف على عملي عبر الإنترنت (وليس في عملٍ مكتبي أو ما شابَه)، هو شخصٌ يعشقُ تنظيم الأشياء وتجميعها في قوائم وجداول مُرقَّمة بعناية، وبالحقيقة، أشعر أحياناً بأنَّ هذه إحدى هواياته التي يُمارسها في وقت فراغه كلما وجد فرصة لذلك. لو كنتَ تعرفُ تصنيف Mayers-Briggs للشخصيّات فسأصفُ لك الأمر بأن حرفَ الـ J لديه قويّ بدرجة قاتلة، بحيث لا يتركُ أي مُتنفَّس لغريمه الـ P. أرغبُ أحياناً بتقديم نصائحِ له عن كيف يُحسّن حياته باكتساب بعضِ الـ P فذلك يُساعد دوماً.

على كلّ حال، واحدةٌ من الأفكار التي واتتهُ مُؤخراً هي أنَّه يُريد وضع نظامٍ لترتيب المقالات التي أكتبُها عن الحيوانات. الأمرُ ليس مُعقَّداً، فعند كتابة مقالة عن مخلوقٍ حيّ، تُوجد دائماً عِدّة أشياء يجبُ ذكرها عن كلّ حيوان، مثلاً: أين يعيش؟ وماذا يأكُل؟ وكم يَبقى على قيد الحياة؟ أرادني أن أُنَظِّم كل مقالة بنفس الطريقة بحيثُ تحتوي على مثل هذه المعلومات بترتيبٍ ثابت وفقرات مُوحَّدة.. يبدو أمراً مُمتازاً في البداية. لكن عندها فكَّرتُ بأمر.

فعلياً، اتّباع هذا النظام سيُكلّف جُهداً إدارياً وعملياً كبيراً.. لكن، لو تغاضَيْنا عن أنَّه سيُشعر مديري ببعضٍ من الرّضا الداخلي العَميق، فما هي الفائدة الفعلية له؟

بنظري فإنّه عند نُقطة ما، يُمكن أن يصبح اتباع النظام مُجرّد عادة أو رغبة داخلية مُتّقدة، حتى لو لم تكُن له أي أهيمّة حقيقية. ما تبادَر إلى ذهني، وأنا أُفكّر بمقالات الحيوانات، هو أنَّ إعادة بنائها بنظامٍ ثابت وتقسيمها كُلّها بطريقة مُوحّدة سيجعلُها تبدو أنيقة ومُرتّبة، لكنه - برأيي - لن يُحسّن تجربة قرائتها على الإطلاق. مثلاً، لو كانت لديك مقالة عن الدب، وقسَّمتها بهذه الطريقة إلى فقراتٍ عن "أنواع الدب"، و"غذاء الدب"، و"دورة حياة الدب"، سيكونُ ذلك تنظيماً رائعاً وجميلاً يستحقّ التقدير، لكنَّ قرائته قد تكونُ أكثر شيء مُملّ في العالم. قارنها مثلاً بعناوينَ من نوع "كيف يبحثُ الدب عن العسل" أو "ما الذي يُبقي الدب القطبي دافئاً في الشتاء".

السَّببُ هو أن النظام يجلبُ التكرار.. والتكرار شيءٌ مُضجر، فالإنسان مخلوقٌ ملولٌ، ويبتهجُ دائماً بالتغيير والتّجديد. ثمّة سببٌ لأنّ المراكز التجارية المفتوحة حديثاً تجذبُ أضعاف أعداد الزوار العاديّين.

النظام بطبيعته هو صفةُ الآلة، فأي برنامجٍ قادر بسهُولة على خلق أنظمة مثالية خالية من الشوائب بسهُولة بالغة، وأما العملُ البشري فمن الصَّعب جداً أن يخرجَ دُون مقدارٍ من العشوائية. لهذا السّبب، الفوضى تضفي بُعداً إنسانياً على الأشياء، فبدُونها يصبح كل شيء مُملّ جداً. حتى المُحاضرات الرسميّة تحتاجُ إلى بعض النّكات ليُصبح سماعها تجربة ممتعة.

عندما تعمُل على مشروع، فلا بأسَ بفرض النظام الذي يُحافظ على الأمور مُرتّبة وتحت سيطرتك، لكن لا تُبالغ بفرض النّظام في كُلّ مناحي حياتك، فهو يتحوَّل بسهُولة إلى هاجسٍ مُزعج للآخرين (من يعيشون معك مثلا!) ومستهلك لوقتك وجُهدك دون طائل.

TL;DR: سُحقاً للأشخاص المُنظَّمين ومتاعب الحياة معهُم، تعلَّموا قليلاً من الفوضويّة رجاءً