في البدء يمكننا القول ان الانسان كان على التوحيد نظراً لتماثيل الام الكبرى التي وجدت في القرى الحضارية الاولى، فبعد استقرار الانسان واعتماده على الزراعة تفرغ الانسان لنفسه اكثر، فاستطاع وللمرة الاولى ان يظهر لنا دينه الاولي عن طريق تماثيل بسيطة من الطين على هيئة انثى في اماكن العبادة وفي وضعيات مختلفة منحتها لقب الام الكبرى، دفع ذلك العلماء للاعتقاد انها كانت الهته الاولى بعد اكتشاف تماثيل اقدم لها ترجع الى ما قبل ١٠٠٠٠ ق.م، اما في كونها انثى فالسبب واضح لان الانثى هي من تنجب وهي من ترضع وهي من تربي وهي من اكتشفت الزراعة وهي من اكتشفت الاعشاب الطبية الاولى اثناء تجميعها للثمار، فهي في نظر الانسان مانحة الحياة وهي من تحافظ عليها وهي من ساعده على التعقل (كما يظهر ذلك في بعض الاساطير التي تحكي عن رجل يشبه الحيوانات قابل احدى الالهة المؤنثة والتي اعطته خبزاً وعلمته الحكمة)، كما انها اول من خبز الخبز وهي اول من انشأ المجتمع الامومي، فقديماً كان دور الذكر لا يساوي شيئاً في مقابل دور المرأة فهي من لديها اسرار طقس الزراعة المقدس وهي من ترتبط بالقمر في دورته الشهرية وهي من يغدق عليك بالحنان في مقابل دور الرجل الذي اقتصر على الصيد والعضلات، ولان الانسان ربط كل شيء بالانثى فحق له ان يعطيها كل الصفات فهي الأم الكبرى وهي العماء الاول الذي نشأ بداخله كل الكون وهي ام الغابة وهي ام الموت وهي عشتار وايزيس وتعامة وافروديت -الهة الحب والبغاء المقدس-، وكان اول الكهنة اناث وعندما ظهر الكهان كانوا من الخصي (المخصيون) ليتخلوا عن ذكورتهم وكل شيء ليقتربوا من الام الكبرى.

ومع ازدياد دور الرجل في المجتمع نتيجة لكبر المجتمع والحاجة الى قوانين تنظمه، وظهور مجتمعات اخرى وبدأ الحروب انجبت الام الكبرى ولداً!، فلقد اخصبت ذاتها بذاتها فهي تملك الامر ونقيضه بداخلها لتتناسب مع الكون فهي الذكر والانثى وهي الحياة والموت وهي الخير والشر، وبالرغم من كونه "ابن" الا انه كان يمتلك الكثير من الصفات المؤنثة والشكل الأنثوي وكان تحت غطاء الام الكبرى وتحت ظلها لا يتعدى دوره دورها..على الاقل لفترة قصيرة، زاد دور الرجل السياسي اكثر واكثر فاصبح هناك ملوك وبدأ الهجوم على الام الكبرى لنزع سلطتها الدينية بنزع ادوارها فأصبح ابنها هو من يقوم في فصل الشتاء بالنزول للعالم السفلي ثم يرجع في الصيف، وبدأ تشويه صمعتها فأصبحت "أمنا الغولة!"، وبدأ خلق آلهة ذكور من جديد ليأخذوا صفات الام الكبرى، واما عن سبب انهم آلهة وليسوا اله فلدينا سببان، اولهم هو ان الرجل اراد التخلص من كل ما يتعلق بالام الكبرى ومنها التوحيد (حتى لا يتذكرها الناس مجددا) والثاني هو ان القرى كانت كثيرة وكل قرية (او مدينة) تختلف في طبيعتها عن الاخرى فربما هناك مدينة على البحر فيظهر اله البحر وتارة يظهر اله الرعد واله المياه العذبة، اضف لذلك القيمة السياسية لهذه الفرقة، ولكن رغم كل الصعاب احترمت كيمت (مصر) مكانة الام فكان الحكم يتوارث عبر الام، وكانت ايزيس هي الام الكبرى في حلتها الجديدة بعد ان خدعت رع (الاله الاكبر) لتشفيه من مرضه الشديد وترجع اليه بصره مقابل ان يعلمها اسمه الاعظم الذي به يحكم الكون ويقل للشيء كن فيكون!، وهكذا انتصرت الام الكبرى مجدداً بعد انتشار عبادة ايزيس في اليونان وغيرها.

وانبثقت فكرة التوحيد مجدداً في مكان ولادتها في الشام، بعد علو وتكبر احد الالهة "ايل" وزيادة عبادته مع اهمال دور الالهة الاخرى وتهميشها وزاد الصراع بينه وبين بعل وزوجته (احدى صور الام الكبرى والتي تمثل بالتنين الذي هو احدى صور الحية)، وحمله بنو اسرائيل وكانوا قوماً ظالمين، ولكن انتصر ايل على بعل واصبح على قمة هرم الآلهة وزادت المسافة بينه وبين الالهة الاخرى لتتحول بدورها -او ترجع الى اصلها- الى ملائكة، ولتفضيل ايل على الالهة الاخرى تم استخدام صيغة الجمع (لان العبرية لا تعرف غيرها للتفضيل ليس مثل العربية) ليكون ايلوهم -بالرغم من ان البعض يعتقد انه تحور من ايل المؤنث "ايله" لما فيه من تشابه في الاصل-، وللعلاقة الجغرافية والدينية بين العربية والعبرية وصلت عبادة ايل الى اله وعند تعريفها بال اصبحت الله، ونجد المسيحية حققت انتصاراً لعبادة الام الكبرى الجديدة - كما رآها بعض المسيحيون- العذراء التي انجبت دون ذكر (مثل الام الكبرى) عيسى او يشوع الذي اعاد مبدأ الثالوث (الذي هو قديم قدم التوحيد ويرتبط بفكرة اقدم وهي الارض والسماء والذان انجبا الرياح التي عاشت بين جبل الارض والسماء لتفصلهما لاحقاً) والذي ظهر في بعض الرسومات التي منعتها الكنيسة لكونها مطابقة للوحات الام الكبرى (حيث يظهر فيه المسيح بثلاث اوجه تتجه احداها لليمين للتعبير عن صعود القمر واخرى للمنتصف تعبيراً عن البدر والاخيرة عن اليسار تعبيراً عن اختفائه مجدداً).

وفي النهاية ما زالت الام الكبرى عالقة في ذاكرة الشعوب في طقوس الزراعة وفي الندب على الحسين ممثلاً للابن الذي كان يموت ليعود بعد انتهاء الشتاء، وفي السخرية منها مثل اسطورة أمنا الغولة، وفي بعض افكار الفلاحين البسطاء حول ان الارض تقف على قرن ثور!

ولكنني ما زلت متحيرفي فهم التوحيد، فهل هو عبادة الله بكل صفاته ولكننا بالفعل لا نستخدم كل صفاته!، واذا كان عبادته بصفة الرحمن فهذا يعني ان اجدادنا كانوا موحدين لانهم كانوا يعبدون الام الكبرى بصفاتها التي يحتاجون اليها مثلنا تماماً، وبالتالي فان الاختلاف في الاسم فقط (مع الوقوف حول اعتقادهم انها ليست بانثى او ذكر ولكن تغلب عليها الانوثة حسب فهمهم)، وبالتالى فان عبادة الهة متعددة هي عبادة اله واحد بصفات واسماء متنوعة فانت تدعوه مرة بالرحمن ومرة بالملك!، واذا اهملنا هذا فسنكون مثل قريش الذين قالوا ان محمداً كان يعبد الهين الرحمن والله ((قل اعبدوا الله او اعبدوا الرحمن...)) واتهموه بالشرك والعمل مع مسيلمة الكذاب بسبب غرورهم والعداوة بينهم وبين اليمن.

في النهاية اود ان اسألك عن ما مفهوم التوحيد الصحيح؟ وهل ترى ان هناك من هم غير موحدين (دون ذكر الملحدين)؟

واود التنبيه ان صيغة الجمع التي استخدمها العبريون انتقلت الى العربية حيث ان الله عندما يتكلم عن نفسه يتكلم بصيغة الجمع.