لا شك أن عملية التأريخ لأي بلد وأي شعب تحتاج لمخيلة واسعة قبل المعرفة الكبيرة، فأي تأريخ قائم على آثار ونقوش وعادات حالية وقديمة لشعب ما يعتمد على الإيمان بالدرجة الأولى، الإيمان بقدرة العقل البشري على تتبع أنماط توصله لتاريخ شعوب عاشوا في زمن ومكان مختلفين عن زمنه ومكانه، وهو ما يبدو للوهلة الأولى ضرب من الجنون، من أشهر نتائج تلك الرحلات المجنونة نقوش حصن الغراب التي تعود ل525 ميلاديًا.

جذبت تلك الأرض الخصبة المروية بالأمطار الموسمية المزروعة بخيرات الجزيرة أنظار كل من سمع عنها، فنسج حولها اليونان الأساطير، وتفنن العرب في وصف حدائقها، وتفنن المؤرخون في إعادة تأليف تاريخها، تاريخ غطته الصحراء، حتى عاد للظهور مع الإكتشافات الحديثة للعديد من النقوش والآثار من أعمال فنية للإنسان اليمني تصور الرجل والمرأة والملك والشعب، ونقوش تسجل انتصاراته وهزائمه ومغانمه ونفوذه وحياته ودينه ولغته وثقافته وعمله وعبادته، وهدايا أرسلها لملوك الدول المجاورة محبة لا خضوعًا رغبةً في توسيع تجارته المعتمدة على البخور والعاج والتوابل وغيرها من بضائع جلبها من الهند لآلاف السنين على متن سفينة الصحراء التي كان استئناسها أهم عامل في ازداهار تجارتها حتى آمن العالم القديم أنه صانعها.

في البدء كانت الاسطورة، لا يمكننا النظر لتاريخ أي شعب من الشعوب دون النظر إلى تاريخه الأسطوري، عادة تاريخ اليمن الأسطوري وضعه النسابة العرب واليهود، حيث يرجعه النسابة العرب إلى قحطان وابنه يعرب أول من تكلم العربية، بينما يرجعه اليهود الى قحطان وإلى كوش، مما يدل على اختلاط الأمر على اليهود، ربما لاتساع نفوذ اليمنيين بشكل أو بآخر فأختلط الأمر على اليهود بسبب اختلاف المناطق التي جاءت منها القوافل اليمنية، وربما يمكننا القول رغم الشكوك بصلة بلاد اليمن ببلاد بونت في فترة ما قبل التاريخ وقبل الممالك المشهورة "سبأ ومعين وحمير الأولى والثانية وأوسان وقتبان"

تمهيد:

لا يمكن الإعتماد على المؤرخين العرب لإختلافاتهم وأسطوريتهم، وأخبارهم عن ملوك التبابعة وملوك اليمن خرافية لأقصى حد كما بين ابن خلدون، لأنها ببساطة تطلب المعجزات من الملوك، ولأنها لا تطابق اي من الأسماء التي تم إكتشافها، ومن ألقاب الملوك "ذمر علي" «يثغمر بين" «"كرب إيل" «"تار يهنعم" "سمعهلي ينوف".

ألقاب مثل "وتار تعني العظيم، وذرح معناها الشريف، وبين معناه الممتاز، وينوف معناها السامي، ويهنعم معناها المسخر

1- مكارب سبأ: الجمع بين الإمارة والكهانة 2- ملك سبأ 3- ملك سبأ وراديان 4-ملك سبأ وذو راديان وحضرموت ويمنات 5- ملك سبأ وذو راديان وحضرموت ويمنات وعربهم في الجبال وتهامة.

لعبة العروش:

مملكة معين:

أقام المعينيون في منطقة الجوف -محافظة الجوف اليمنية حاليًا- وهي منطقة خصبة صالحة للزراعة -أو كانت على الأقل-، وفي كتاب "الإكليل" أنها مجرد منطقة في الجوف، لكن عند "بليني" أنهم عاشوا في تلك المنطقة لسنين عديدة وهم أول من مارس تجارة البخور وكان لهم مستعمرة في طريق قوافلهم في الحجاز في منطقة الددان، المرجح في تاريخ نشأتهم أنها كانت مع بداية الألفية الثانية ولكن المؤرخين المحدثين يرون أنها تعود ل500 ق.م، وكانت عاصمتها قرناو وعاصمتهم الدينية براقش، وكونوا مع حضرموت حلف قوي، وعاصرهم القتبانيون الذين أغاروا عليهم عدة مرات وخاضوا معهم الحروب، ونظام الحكم في معين كان ملكيًا توريثيًا كما تدل على ذلك أسماء ملوكهم:

(1)يثعيل صادق- وقاه إيل يثعيل-أيليفع يشير-حفنوم ريان

(2)أيليفع يثير-أيبيدع يثيع- وقاه إيل ريام- حفنوم صادق- أيليفع يتوش

(3)أيليفع واقه-وقاه إيل صادث-أبيكرب يثيع-عمييدع نابط

(4)أيليفع ريام-هوفا عاثث

(5)أبيبدع- كليكرب صادق- حفن ياثع

(6) يثعيل ريام- تبعكرب

(7)أبيبدع حفنوم

وكان المعينيون عبارة عن قبائل غنية نتيجة لإزدهار تجارتهم، كانت نهايتهم على الأغلب على يد السبأيين بعد تحالفهم مع قتبان، حيث يذكر في أحد النقوش اسم "يثعل ريام وتبعكرب" -وهما من الملوك المتأخرين- وضعهم تحت حمى سبأ هم وآلهتهم، كما من ألقاب ملوك سبأ "ملك سبأ وراديان" مما يدل على سيطرتهم على بعض مدنهم، ويختفي ذكرها تمامًا في حملة اليوس جالوس 24 ق.م رغم أن الكتب الكلاسيكية ظلت تذكرها وذكرها بطليموس ووصفها بالعظمة.

مملكة أوسان

في القرن الخامس قبل الميلاد شن كرب إيل وتر السبأي حملات للسيطرة على مملكة أوسان التي سيطرت على السواحل، ولكن لم يسيطر على أراضي حضرموت وقتبان اللتان كانتا حليفتيه في ذلك الوقت، وهنا يبدأ دور أوسان بالظهور، حيث أنها على الأغلب نافست سبأ في التجارة حتى سمي الساحل الأفريقي شمال زنجبار بالساحل الأوساني، وربما كانت تشغل جنوب قتبان، وكانوا يعبدون الإله "ود" وظهرت لديهم ظاهرة غريبة وهي تقديس أحد الملوك وهو يصدق إل فرعم بن شرح عث، ووصفوه بابن ود، وبعد زوال حكومة أوسان ظل شعبها باقيًا فيتم ذكره في جمهورية قتبان، وظل الاسم منتشرًا حتى ذكر الهمداني رجلًا اسمه "محمد بن أحمد الأوساني"

مملكة قتبان:

يرجع تاريخ استيطان مدن قِتبان إلى القرن الحادي عشر قبل الميلاد وينقسم تاريخها إلى:

(1) عصر المكربين الأول

ما بين القرن السابع والخامس ق.م، من مكاربها سمه علي وتر، ورو إيل

(2) فترة الإزدهار

منذ القرن الرابع قبل الميلاد، ومنها أغلب النصب التذكارية والنصوص الطويلة، وينادي القتبانيون بعضهم ب"ولد عم" والذي من الممكن أن يدل على طبيعة الشعب والروابط القبلية بينهم، وسكنوا المناطق الساحلية على البحر الأحمر.

(3) فقدان الأجزاء الساحلية:

أخذ الحميريون يستولون على مناطق لقتبان، حتى نهاية القرن الأول قبل الميلاد فسيطر الحميريون على كل المناطق الساحلية.

(4) الملوك المتأخرون:

وفي القرن الأول الميلادي صك الملك ورو إيل غيلان عملة ذهبية باسم "حريب"، وحدث حريق لمدينة تمنع. وبعد الحريق اقام القتبانيون عاصمة أخرى باسم حريب، وسيطرت حضرموت على بعض من قتبان حتى جاءت سبأ في النهاية وسيطرت على قتبان كلها في توسعها لتشمل اليمن كلها، ومن الأعمال التي قام بها ملوك قتبان للحفاظ على تجارتهم سن قوانين مثل قوانين الملك شهر هلل مثل فرض الضرائب والجباية وتركيز التجارة في مدينة شمر وحصرها نهارً فقط لضمان جباية الضرائب.

مملكة حضرموت:

ينسب النسابون العرب الاسم إلى حضرموت ابن قتبان، واشتهر الاسم بعد زوال حضرموت في البيت الشهير "أبا كرب والايهمين كليهما وقيسًا بأعلى حضرموت اليمانيا"، وتعرضت نفوذ حضرومت على الساحل لهجمات من الحميريين حماها منها الملك السبأي، وأحيانًا حكمها هي ومعين ملك واحد، ويرجع تاريخ نشاتها ل1020 ق.م في أبعد التقديرات، وبعد ضعف قتبان بدأت الحرب بين حضرموت وحلفائها والحميريين والسبأيين للسيطرة على المملكة المتهالكة.

وترجع أهمية حضرموت لموقعها الجغرافي وقربها من مصادر المياه وتربتها الخصبة، والاغلب ان وادي حضرموت قبل تكوين ممالكه سكنه مهاجرون جاءوا من الشمال بعلمهم بالخزف والزراعة وغيرها بسبب تأخر العصر الحجري في الوادي إلى 200 ق.م ثم اختفاء السكان الأصليين فجأة وظهور حضارة جديدة.

وكان من آلهتها سين، وكانت الطبيعة السكانية هنالك غريبة قليلًا، فكانت الهدايا تقدم للإله سين بصيغة سبأية وهي "هقني" بدلًا من "سقني" أي أهدي وأعطى، وذكر الإله السبأي المقة مما يدل على أن الحياة اليمنية كانت متداخلة مع الحضارات الأحرى.

وقد سيطرت حضرموت على تجارة البخور وأهمه اللبان لمدة طويلة لوجود أشجاره بها في مدينة ظفار وهي المعنية ببلاد اللبان في كتب المؤرخين القدامى، ومن أشهر ملوكها العز "اليازروس" والذي أمتدت حدود حضرموت على يده بشكل كبير فتشمل جزيرة سقطرة ومدينة ظفار وما وراءها.

هذه كانت نظرة سريعة على بعض ممالك اليمن القديمة وملخص ل50 صفحة من كتاب تاريخ اليمن القديم لكاتبه محمد عبدالقادر بافقيه