ذكر بعض المؤرخين أمثال عبد اللطيف البغدادي في كتاب الإفادة والاعتبار، والقفطي في إخبار العلماء بأخبار الحكماء، وابن العبري وجورجي زيدان في تاريخهما؛ أن عمرو بن العاص أحرق مكتبة الإسكندرية العتيدة التي أنشأها بطليموس الثاني، وقد ناقش هذا الخبر كثير من المستشرقين والمؤرخين.

فالمؤرخ جيبون ناقش هذه المسألة بإيجاز شديد وقد رفضها، وقال الأستاذ رينودو Renaudat: «إن بالقصة عنصرًا من عناصر الوضع.»

كما رفضها الأستاذ جوستاف لوبون في كتابه الحضارة العربية، وتحدث الأستاذ بتلر في كتابه «فتح العرب لمصر» حديثًا طويلًا نلخصه فيما يأتي:

(١)أن هذه القصة — قصة إحراق العرب لمكتبة الإسكندرية — لم تظهر إلا بعد نيف وخمسمائة عام، فلم يذكرها المؤرخون الذين سبقوا البغدادي والقفطي وأبا الفرج الملطي.

(٢)أن يحيى النحوي الذي تذكر القصة أنه العامل الأكبر فيها تُوفِّي قبل الفتح العربي.

(٣)أن مكتبة الإسكندرية الكبرى حرقت في عهد يوليوس قيصر، وأن المكتبة الصغرى التي كانت بالسرابيوم نُقلَت أو أتلفت قبل سنة ٣٩١ ق.م فلم توجد مكتبة بالمعنى الصحيح أثناء الفتح العربي.

(٤)لو صح أن العرب أحرقوا مكتبة الإسكندرية، لما غفل عن ذكر ذلك المؤرخ حنا النيقوسي، وختم بحثه بأن ما رواه أبو الفرج الملطي لا يعدو أن يكون قصة خرافية ليس لها أساس تاريخي.

وذهب الأستاذ سيديو Sédillot٢ إلى أن هذه القصة وضعها كتاب معادون للعرب وللإسلام إبَّان الحروب الصليبية، ولكنه لم يحدثنا عن كاتب بعينه.

وكذلك نشر الأستاذ جريفني بحثًا طويلًا باللغة العربية في جريدة الأهرام بعدد ٢١ يناير سنة ١٩٢٤ ختمه بقوله: إن جميع المستشرقين الذين بحثوا حريق مكتبة الإسكندرية خرجوا بأبحاثهم إلى أن هذه القصة خرافة من خرافات القرون الوسطى.

وقد يكون سبب هذه الخرافة هو خلط علماء المسلمين بين حنا النحوي وحنا النخوي (أو النيقوسي)، فالأول حنا النحوي أو الجراماطيقي أو الفيلوبوني وُجِد بالإسكندرية وله مؤلفات سردها مؤرخو العرب، وكان يعلِّم الناس بالإسكندرية في حدود سنة ٤٨٠م، وعمر حتى أوائل القرن السادس الميلادي، وله عدة كتب منها شرح على الأنالوطيقا لأرسطو، وكتاب النفس، وشرح كتاب الحيوان لأرسطو، وكتاب الرد على نيقوماخوس في الأخلاق، وهذه الكتب كلها عرفها العرب ونسبوها إلى يحيى النحوي (ترجمة للجراماطيقي) وأخطأ مؤرخو العرب في قصة مقابلته لعمرو بن العاص؛ لأنه تُوفِّي قبل البعثة النبوية، وجاء هذا الخطأ من أنه كان في مصر في وقت الفتح مؤرخ عالم كانت له ثقافة يونانية واسعة هو يحيى أو حنا النخوي أسقف نيقوس، وثابت أن هذا الرجل قابل عمرو بن العاص وأنه كان ذا مذهب خاص اضْطُهد بسببه، وهو صاحب تاريخ مصر الذي أشرنا إليه قبل ذلك، فتشابُه رسم الحروف (النحوي والنخوي) هو الذي جعل علماء المسلمين يقولون إن الأول هو الذي قابل عمرو بن العاص. (١)

____________________

(١)أدب مصر الإسلامية: عصر الولاة،محمد كامل حسين،صـــ١٩-٢٠ـــــ