منذ نهاية القرن الثامن عشر, اصبحت الدولة العثمانية ضعيفة و باتت تتلقى هزائم عسكرية متتالية سواء من قبل روسيا و الدول الغربية فضلا عن التمردات و القلاقل السياسية الداخلية حتى لقبت برجل اوروبا المريض
و هنا ظهرت حاجة ملزمة بتحديث الدولة, و فعلا تمت محاولات لتحديث جادة للدولة العثمانية في زمن السلطان محمود الثاني
فقد اهتمت الدولة بتحديث المؤسسات و الجيش و الزام الموظفين بلبس زي رسمي
فقد تم تحديث الجيش و انهى وجود فرقة الانكشارية و كذلك اصدرت قوانين/فرمانات بانهاء نظام الملل الديني الذي يقسم ساكني الدولة حسب انتمائهم الديني الى طوائف و ملل و بالتالي تبني مفهوم الموطنة بشكله الحديث
مع هذه التحديثات الا انها لم توقف تدهور الدولة المستمر و فقدانها للاراضي و المقاطعات
و هنا برزت القومية التركية على النمط الغربي ممثلا بجمعية تركيا الفتاة و ابرز المنتمين اليها أنور باشا و كمال اتاتورك
تمكنت هذه الحركة بعمل تمرد او انقلاب عسكري و تم الاطاحة بالسلطان عبدالحميد و تحولت لدولة ملكية دستورية و لكنها عمليا كانت دولة عسكرية
تحول الخليفة/السلطان الى مجرد ديكور بينما مقاليد الحكم الفعلية بيد القادة العسكريين ممثلين بابرزهم انور باشا(الحاكم الفعلي) بينما اتاتورك كان شخصية ثانوية
كانت توجه انور باشا و غالبية رفاقه بان تصبح الدولة العثمانية ذات توجه قومي تركي, كانوا يحلمون اقامة امبراطورية طورانية تمتد من اراضي اسيا الوسطى(تركستان) و كذلك اراضي الدولة العثمانية
كانوا ينظرون للاتراك كقادة للعالم الاسلامي و قيادة العالم الاسلامي لم يكن من منظور ديني بل للمصلحة القومية التركية, و رغم كونهم علماني التوجه الا انهم لم يعلنوا عن ذلك بشكل صريح و لم يصدروا قوانين مضاربة للدين الاسلامي
اما اتاتورك و جماعته فقد كانوا اقلية متطرفة, فاتاتورك كان ينظر لتوجهات انور باشا كاحلام طوبائية صعبة التحقق و بدلا من ارهاق الاتراك بالعالم الاسلامي فيجب ترك العرب و غيرهم من القوميات و الاهتمام باماكن تمركز الاتراك بالاناضول و اسطنبول بالاضافة لمناطق شمال العراق(ولاية الموصل) و ايضا ولاية حلب او اجزاء مهمة منها, و الاهم اتاتورك كان يفضل العلمانية على النمط الفرنسي اي اقصاء الدين من الحكم و الفضاء الاجتماعي العام
قاد انور باشا حملة تحديث عسكرية سريعة على النمط الالماني(بمساعدة المانية), و قام بارتكاب مغامرة بالتحالف مع المانيا/النمسا في الحرب العالمية و التي انتهت بهزيمة الدولة العثمانية و احتلال معظم اراضيها
في اثناء الحرب برز نجم اتاتورك في معركة غاليبو لعام 1915 اذ نجح في هزيمة البريطانيين, اما النقطة المهمة الثانية تمثلت بالتمرد العسكري على قرارات السلطان(بعد فرار انور باشا) بالقبول بمعاهدة سيفر و شن حملات عسكرية للتحرير تكبدت بالنجاح و بالاخص بمواجهة الغزو اليوناني
امام النجاح الكبير الذي حقه اتاتورك و رفاقه تحول لبطل قومي و بالتالي انتصر تيار اتاتورك المتمثل بالتخلي عن قيادة العالم الاسلامي و تبني العلمانية الصريحة, و مما ساعده على ذلك ان الدولة العثمانية خسرت معظم اراضيها خارج الاناضول و حدوث ما سمي بالثورة العربية الكبرى.