الكلمات التي أبغضها كثيرة، التجديد، الضرائب، قول أمي "انهض" كي اكنس تحتك، لكن عندما يتعلّق الأمر بالمجال الطبّي، فالعلاجات البديلة والأعشاب هنّ أشد مبغوضاتي، ذلك أنّي أكره ايهام الناس بعلاجات غير مضمونة، وحثّهم على التخلّي عن علاجات دوائية أثبتت فعاليتها، فلو كنت بكوليسترول مرتفع وعندك خمسين سنة، فلن يفعل الكركم ما يفعله الستاتين، وإن شئتَ فراهن!

لكن هناك ميدان طبّي يُستثنى من هذه القاعدة، وهو الطبّ النفسي، فالعلاجات البديلة، خصوصًا العلاج اللادوائي، هو الذي سيساعد المريض على علاج مشكلته الأساسية، أمّا العلاجات الدوائية فهي مُساعدة فقط.

العلاجات الدوائية لها فضل كبير على الطبّ النفسي، فهي ما أبرزت هذا الميدان إلى الواجهة بعد أن كانت الجلسات النفسية تقام في سراديب المستشفيات، والدواء درّ الأموال على الشركات المصنّعة، وزاد من أسلحة الأطباء النفسيين لعلاج مرضاهم، وأعطاهم حلًا سريعا يُعيد للمريض ثقته بهم قبل أن تُعطي الجلسات غير الدوائية تاثيراتها.

كتاب The Body Keeps The Score هو كتاب مميّز جدًا في الحديث عن الصدمات النفسية، وآثارها على الجسد، وأنوي أن أقتبسَ منه أفكارًا عديدة في قادم الزمان، يقول الكاتب أنّ أدوية مضادات الاكتئاب (مثل البروزاك حين ظهوره) قد قامت بثورة في مجال الطب النفسي، وحسّنت حال العديد من المرضى في أيّام قليلة، لكنّه يُحذّر من زيادة استعمال هذه الأدوية على حساب الجلسات غير الدوائية.

فكرة هذه الأدوية كانت أن تُصلح هذا الخلل في توازن كيمياء الدماغ، والذي يزيد المرضى النفسيين همًا وكربًا، لكنّ الاعلام والناس قد تقبّلوا هذه الأدوية كالعلاج الأوحد لهذه الأمراض، واستعاضوا بها عن علاج المشاكل الأصلية التي سبّبت المرض من الأساس.

لو كانت هذه الادوية فعّالة على المدى الطويل، كما يقول المؤلِّف، لأصبح الاكتئاب مرضًا لا يُتلفّت له في المجتمع، لكنّ حالات الاكتئاب تزيد، واستعمال هذه الأدوية يزيد أيضًا، واحد من كل عشرة أمريكان يتناولون مضادات الاكتئاب، ولم يسلم من ذلك الأطفال، فنصف مليون طفل أمريكي يتناولون هذه الحبوب حسب احصائية من 2014.

للمؤلِّف، وهو طبيب له باع طويل في الطبّ النفسي، وجهة نظر في سبب طغيان أدوية الاكتئاب على العلاجات اللادوائية، فهو يقول أن الأدوية تدرّ المال على الشركات بكثرة، والمجلات الرصينة نادرًا ما تنشر عن علاجات غير دوائية للصحة العقلية، ويُوصم باحثوها بوصمة الطبّ البديل، وحتّى تقبل المجلات نشر بحوث مثل هذه، يجب أن يتلزم الباحثون ببروتوكولات محددة، وهي غير مرنة لحال المرضى وما يمرّون به من ظروف شخصية تختلف عن غيرهم.

هل أصبح السائد أن نعالج أمراضنا النفسية بالأدوية الكيميائية؟ هل الأمر أسهل من التنقيب داخل ذواتنا ومعرفة الأسباب الرئيسية خلف الأمراض النفسية؟