اتذكر بعمر العاشرة اني شكوت اعراض مرض غريب، تمرّ عليّ حالة لبضع ثوان، اشعر فيها اني لست حقيقيا، الاشياء المحيطة بي تفتقد الى العاطفة، وأنّ الذكريات القريبة قد حدثت منذ زمن طويل.

خضعت حينها لفحوصات كثيرة، اتذكر تعلثمي عندما شرحت اعراضي للطبيب، كان يظنّ أن بيّ دوارا، حاولت ان ابين له اني اعرف الدوار وهذا ليس منه، ارسلني لتخطيط الدماغ فكان الامر طبيعيا، وكان ابي يعمل في قسم الاشعة، فسهّل خضوعي لتصوير دماغي بالمفراس والرنين رغم ان حالتي بظاهرها لا تستوجب، وكان كل شيء طبيعيا.

لم اعد اشكو لأهلي من المرض بعد هذه التطمينات، لكنّه ظلّ يراودني، شعور غريب لمدة لا تتعدى الدقيقة، يحصل لي مرّة على فترات طويلة، لا يراني فيه أحد اشكو من شيء، كان مرضًا صامتًا وكئيبًا، ليس فيه الم ولا خلل وظيفي، لقد كان مرضا خليا من العاطفة، كاعراضه.

عندما دخلت كلية الطب، وتعلّمت مصطلحات أبحث بها أعراضي، تقرّبت من هذا المرض، لقد كان شيئًا حقيقيًا، يُصيب 2% من الناس، لست وحدي.

اخبرني صديق يدرس المنهج الطبي السوري، انّه وجد حالتي عندما كان يدرس النفسية، قال لي أنّ لي شذوذا عصبيا أو شيئا يشبه الصرع المصغّر، لم يقنعني كلامه، لقد كنت أكثر طبيعية من أن أُوصف بهذا، وقد كنتُ محقّا.

اضطراب الآنية Depersonalization Derealization Disorder هو اعتلال نفسي شائع، في المانيا قاموا بدراسة ووجدوا أنّ اعراضه توجد في 12% من البالغين، وفي دراسة امريكية أخرى، قال نصف طلاّب الجامعات أنّهم مرّوا بأعراض اضطراب الآنية في آخر سنة.

ماهي اعراض اضطراب الآنية؟

مرضى هذا المرض لا يستسهلون وصف اعراضهم في كلمات واضحة، ولو عبّروا عنها لوصفهم الناس بالجنون، وهذا ما يجعله اكثر الامراض النفسية التي تمرّ على الاطباء ولا تشخّص.

الاعراض تبدو مجازية او خيالية عندما توصف بالكلمات

-لا يشعر الشخص انه حقيقي، يشعر انه مفصول عن جسمه وافكاره وعواطفه
-اشعر اني اشاهد فلما
-خدر عاطفي
-الذكريات القريبة تبدو بعيدة
-الاشياء المحيطة تبدو غريبة. 

الكثير من هذه الاعراض لا تسبب خللا ملموسا، لكنّ بعض الناس قد يُكئبهم ذلك، خصوصا لو تعرّضوا لامراض نفسية مصاحبة.

هذه الاعراض اشيع عند المراهقين والشباب، وهي نادرة الحدوث بعد العقد الرابع والخامس. ويُقال أنّ السبب الرئيس فيها صدمة طفولية، او ضغوطات طويلة.

بالنسبة لي، لا اذكر صدمات طفولية واضحة، ربما تفجيرًا حصل على باب جامع كنت أتعلّم فيه تلاوة القرآن عندما كنت في التاسعة، تساقطت اجزاء من الجدران على مقربة منا، وشاهدت اشلاء فتاة بعد خروجنا من المنطقة.

والضغوط الطويلة أيضًا من محفّزات هذه النوبة عندي، أجد أنّها تحدث عندما أفكّر أن امامي اياما طويلة ومرهقة، تحدث اكثر عندما أكون في الكلية، وأكثر صباحا عندما ينتظرني جدول مرهق، وهي لا تاتي ابدا عندما يشارف اليوم على الانتهاء، ولا اتذكر انها حدثت لي يومًا في البيت.

وزائرتي كأنّ بها حياءً … فليس تزور الا في ظلامِ

يقول المتنبي واصفا الحمّى بانها تخجل من ان تزوره الا في وقت السكون والليل، أما زائرتي فقليلة حياء وأدب، لا تزورني الا في الصباحات وعند اجتماع الناس.

الاعراض لا تُعيقني، هي ثوان فقط، قد تكون مزعجة، الاكثر ازعاجا هو ترقّبها، وهي كذلك تأتي عندما أفكّر أن الأمر سيحصل لي، لهذا لم اخش من الامر طيلة حياتي، كنت اعرف انه شيء نفسي، وبعد ان تزورني نوبة "الانفصال عن الواقع" لثوان، اشعر بعدها بانشراح ونشوة، كتلك التي تحصل لك بعد تمارين رياضية. هذا جعلني اظنّ ان الاعراض ليست الا محاولة الهروب من الواقع، ومحاولة من عقلي لتقليل الضغط عنّي 

العلاج

هناك ادوية نفسية، لكن العلاج المقترح حسب uptodate هو علاج نفسي يسمى بالعلاج المعرفي السلوكي CBT وهو يركز على اربع نقاط

تبسيط الاعراض وترجمتها

الاعراض ليست مخيفة، وهي لا تعيق الشخص عن وظائفه، ولا يفقد الوعي او كيانه عند حلولها، هي ثواني قصيرة تعرف انك مررت بها لا أكثر، قد تحدث لك اثناء محادثة ولا ينتبه المقابل أنّ فيك شيئا، لهذا لا يفترض أن تهوّل من أمرها.

مقاومة الافكار التي تسبب التوتر

هذه الحالة تقتات على التوتر، او بالاحرى تحاول ان تجعلك تهرب منه، فلو كانت هناك افكار تسبب لك التوتر فحاول ان تعمل عليها، او ان تقلل من وجودها لدرجة لا تؤثّر فيها على نفسيتك، والحديث يطول هنا، لكنّي اوردته اختصارا.

مقاومة سلوكيات التحقق

الامر مضحك احيانا، فتقول لنفسك تارة عندما تمر بوقت متوتر: هل ستاتي الحالة الان؟ فتاتي سريعا، ليس هناك مرض في الدنيا يُطيع اشارة صاحبه كمثل هذا، حاول ان تجد طريقة لمقاومة هذه السلوكيات، أنا استعمل اول طريقتين لمقاومة هذه السلوكيات، فلو كانت الاعراض لا تؤثر عليّ، وكان التوتر في مستوى يطاق، فما فائدة هذا التحقق؟ اتت الحالة ام لم تات لا يهمّ. 

تمارين استرخاء

هناك الكثير من تمارين الاسترخاء والتنفس، بالنسبة لي أحبّ تلاوة آيات من الفاتحة والمعوذات، الشعور بمعاني هذه الايات يُعيد لي احساسي بكياني، وهو مرض يلعب على هذه النقطة، ومن يتعلّق بالمعاني العظيمة لا تعود الأمور الصغيرة توتّره وتنال منه.

هل كنت تعرف اضطراب الآنية؟ افيكم رفيق درب يمرّ بمثل هذه الحالة؟