قرأت بالأمس في هذا المجتمع (الصحة والطب) تجربة لأحدنا مع مشكلة نفسيّة، استغرقته ثمان سنوات للتغلّب عليها، وكان مما قاله أنّه مكث مع المعالجين ثلاث سنين دون تحقيق نتيجة ملموسة. وأريد اليوم تسليط الضوء على بعض الإشكالات المُعِيقَةِ للتواصل بين الطبيب العربيّ ومريضه.

حقيقة افتقار غالب الأطباء لمهارات التواصل الإنسانيّ:

قبل حديثنا عن لُّب قضيتنا، أحب التنويه إلى حقيقة تُنسى عند تعاملنا مع الأطباء، وهي أن الطبيب بحكم عاداته الدراسيّة "المطالعتيّة " المقتضية مصاحبة الكتاب تلو الكاتب، كثيراً ما يعجز عن الدخول في علاقاتٍ تواصليّة حقيقيّة؛ بل ربما كان غالب تواصله تعاملاً آليّاً لا روح فيه، انعكاساً عن تعامله مع معلومات كتُبه. وهذا التواصل - بعيداً عن سوءاته - صار واقعاً مُعاشاً؛ يَفْتَرِضُ على من يبغي مفارقته الكثير والكثير من المران. فدخولنا على الطبيب مع استحضار هذه الصورة الذهنيّة؛ سيساعدنا كثيراً في تحقيق التواصل معه. (ألا ترون ذلك؟)

الوجه السيء لدراسة الطب بلغة أجنبيّة:

كذلك مما يعمِّق الفجوة (بصورة أكبر) بين الطبيب ومريضه، الاختلاف اللسانيّ المعرفيّ بينهما، ولا أعني هنا المعلومات والخبرات التي يمتلكها أحد الطرفين؛ بل أقصد التباين بين اللسان العربيّ (لسان التواصل) واللسان الغربيّ (لسان تلقي الطبيب لمعلوماته). هذا التباين يضع الطبيب في موطنٍ أشد صعوبة من موطنه الذي هو فيه بالأساس (ضعف ملكات تواصله)؛ مما يُنتِج انحرافاً كبيراً في فهم الطرفين لبعضهما. فالطبيب يحاول البحث في دولاب معرفته - إن كانت له معرفةٌ أصلاً، " فشتان شتان بين امتلاك المعلومات وامتلاك المعرفة " - عن مصطلح يحوي أعراض مريضه، ثم يحاول اسقاط هذا المصطلح على السياق العربيّ، في محاولة منه لتحقيق التشخيص، بينما مريضه ينتظر بفم رضيعٍ - مقابل ما دفع من المال - إبانة وإفهاماً لما يعتريه من العلل والأسقام. ومن واقع تجربتي، رأيت الكثير من الأطباء يعاني صعوبةً كبيرة في مجرد التوضيح المصطلحيّ ونقل المعلومات، دوناً عن المعرفة الطبيّة؛ والسبب (كما أظن) أصبح واضحاً الآن.

كل هذا التعقيد والتداخل - المانع لحصول التفاهُمِ بين طرفي العلاج - ونحن لم نتظرّق لتخصص الطب النفسيّ، والذي يرتكز على كلمات ودلالات يتلقّاها الطبيب من ثنايا كلمات وحركات مريضه/ عميله.

أخيراً، هل الحل ما فعلت سوريا بتعريب الطب؟

هذه دراسة إحصائيّة تحليليّة، توضح نجاعة واختلاف الطبيب الدارس للطب المعرّب في سوريا عن نظيره الدارس له بلغة أجنبيّة، أتمنى أن نقرأها لنثري النقاش حول المساهمة.