لنرجع سويًا لفترة السبعينيات التي انتشر فيها الكثير من الأفكار الغريبة في الكثير من المجالات، وبالطبع الطب لم يُستثنى من ذلك الجهل. في هذه الفترة ظهر اتجاه كبير نحو معرفة الرتم البيولوجي لجسم الإنسان، لكن لم يكن هذا الاتجاه بالشكل العلمي المطلوب بسبب دخول الانفتاح الاقتصادي والسعي وراء المال. النظرية المنتشرة وقتها كانت تفترض أن الإنسان يمر بدورات من التعافي والمرض كل 23 يوم، ودورات من التحسن والتدهور النفسي كل 28 يوم، ودورات نشاط عقلي كل 33 يوم، النظرية في الأساس كانت موضوعة على أساس ملاحظة من طبيب الأنف والأذن والحنجرة الألماني فيلهلم فليس، والذي كان صديق سيغموند فرويد، الذي يعتبر مؤسس علم النفس.

للأسف لم تكن تلك الملاحظة ترتقي إلى إنجاز علمي، لأنه لم تقم عليها دراسات وأبحاث قوية تدعمها، لكن تم استخدامها اقتصاديًا بشكل كبير حتى إن شركة كاسيو قامت بصنع آلة حاسبة تقوم بحساب ميعاد تلك الدورات فقط بتاريخ الولادة، لقت الفكرة إعجاب الناس لأنها تنبئهم بأوقاتهم الحرجة التي سيتعرضون فيها بمشاكل أو ما إلى ذلك، وتم ربط انتحار مارلين مونورو بأنها كانت في فترة حرجة، بالإضافة للعديد من الحوادث تم ربطها أيضًا بتلك النظرية.. كل هذا يحدث بدون دليل علمي واحد! والمفاجأة أن ذلك الفكر ما زال موجود الآن، والكتب القديمة عن هذا الموضوع ما زالت تباع على أمازون.

الحقيقة أن هناك ما يدعى بالرتم البيولوجي "circadian rhythm" أو المعروفة لدينا باسم الساعة البيولوجية "Biological clock"، وهو عبارة عن الدورة المنتظمة لجسم الإنسان في 24 ساعة، هي الدورة التي تنظم الوظائف الحيوية لجسم الإنسان، مثل دورات النوم، ودورات إفراز الهرمونات، وضغط الدم.. إلخ.

سابقًا كان يعرف أن الساعة البيولوجية كان يتم التحكم بها عن طريق جزء من المخ يسمى suprachiasmatic nucleus of hypothalamus، أعلم أن الاسم طويل وصعب لكن وظيفته تتلخص أنه المسؤول عن دورات النوم والاستيقاظ، والعامل الأساسي في ذلك الرتم هو الضوء، لنعلم أيضًا أن هناك هرمون مسؤول عن النوم يسمى بالميلاتونين يتم إفرازه من ذلك المركز في الليل، ويقل في النهار. لذا طبيعة الجسم النوم بليل والاستيقاظ بالنهار وبالطبع ما يرتبط بها من نشاطات بيولوجية وعقلية، لا أعلم كيف انتشر في أيامنا هذا اليوم المقلوب!

المفاجأة الآن أن كل خلية من خلايا أجسامنا تحتوي على الساعة البيولوجية الخاصة بها، والمسؤول عن تنظيم تلك الدورات هو جين ينظم إفراز بعض البروتينات المسؤولة عن عمل الخلية بانتظام بتأثره بدوران الأرض! ليس فقط الضوء، والذي أدى إلى التفكير في تلك النظرية أن الساعة البيولوجية للإنسان ليست مرتبطة ارتباط كلي بالضوء، والدليل على ذلك أنه إذا تم وضعنا في غرف مظلمة تمامًا لفترات طويلة سنتبع ساعتنا البيولوجية المكونة من دورة ال 24 ساعة أيضًا! الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فقط، بل أصبح يُكتب بعض الأدوية لتؤخذ في مواعيد معينة تتناسب مع الساعة البيولوجية للعضو المستهدف.

البعض منا الآن يقوم بتدمير نفسه بنفسه بعدم اتباع طبيعته التي خُلق عليها، ينام بالنهار ويستيقظ بالليل، ونتبع العادات السيئة كالأكل في أوقات متأخرة، وكل ما يعاكس الطبيعة الذي أثبت أنه عامل مؤثر جدًا في تعرضنا للأمراض.

ما رأيكم في تلك الحقائق؟ وهل تتبعون ساعتكم البيولوجية؟