أكره كثيرًا الطريق إلى جامعتي؛ لأنه طريق طويل وممل بالإضافة للازدحام. قررت أن أجعل هذا الجحيم بالنسبة لي لوقت استفاد منه مثلًا بقراءة كتاب، أو الاستذكار. لكن لم تنجح هذه الفكرة كثيرًا، لأنني بمجرد ما أن أمسك الكتاب أو حتى الهاتف وأسبح مع المكتوب في خيالي، ألا أنني أصادف شعور مربك وغير مريح يأتيني بغتًة وأنا جالس. أتذكر ذلك الشعور، فهو يأتيني عند وجودي على متن ياخت في البحر، أكنه يحدث لي من جديد، شعوران يختلفان في الزمن والمكان، لكن يتفقان في أنني في النهاية أرغب في التقيؤ. أيعقل هذا دوار البحر؟ لكن ما الذي جاء به في حالتي؟ ألم يصادفكم هذا الشعور من قبل؟

التفسير العلمي لهذا الشعور يسمى بداء الحركة، ويكون سببه تضارب في إشارات المخ، ببساطة كما حدث في حالتي، هو أن الإشارات القادمة من العين تعطي انطباع الثبات (إذا كنت تقرأ كتابًا ما وأنت داخل السيارة)، أما إشارات الأذن الوسطى التي تستشعر الحركة وتسارع الجسم وكذلك الاتجاهات، فهي تعطي انطباع الحركة. والعكس صحيح، إذا كنت جالسًا في منزلك، ولكنك تلعب ألعاب الفيديو، ف ما تراه عينيك (الحركة) مختلف عما تستشعره الأذن الوسطى (وهو الثبات)، لذلك فإن اضطراب الإشارات التي تصل إلى المخ يسبب هذا الشعور بالدوار وعدم الاتزان. ولكن يبقى السؤال، لماذا نشعر بالرغبة في التقيؤ؟

إجابة هذا السؤال ليست مؤكدة كليًا، ولكن النظرية المتفق عليها هي أن اضطراب إشارات المخ يعطي إحساس أن هناك تسمم، وما هو رد فعل الجسم في حالات التسمم؟ نعم، التقيؤ! لكي يتخلص الجسم من المواد غير المرغوب فيها. 

داء الحركة ليس له عوامل مسببة ولا علاج محدد، فهو ليس مرض خطير وليس له مضاعفات، ولكن هناك بعض المقترحات للوقاية من هذا الشعور ومحاولة تجنبه قدر الإمكان، وهو عن طريق تجنب التضارب بين الحواس المختلفة، مثل النظر إلى الطريق إذا كنت بالسيارة، واختيار مكان الجلوس بالقرب من النافذة، فهذا يجعل حواسنا تتفق على مُستقبِل واحد، وهو الشعور بالحركة، مع تجنب مطالعة الهاتف أو القراءة لفترات طويلة. 

المخ من أعقد ما خُلق في الحياة بالنسبة لي، ظواهره كثيرة ومختلفة، والكثير منها مثير، لكن في النهاية مع تقدم العلم، بعض أسراره ستُكشف لنا.

 يمكن قراءة بعض المساهمات السابقة عن أدواره المهمة.

أخبرونا عند مواقف تُعرِّضكم لهذه الحالة وكيف تتجنبوها؟ شاركونا التجارب.