عندما يولد الأبناء بلا رحمة.. جولة وقصة من داخل دار مسنين

تسنيم صعابنة

طالبة صحافة وإعلام

أبناء تجرَّدت قلوبهم من أسمى معاني الإنسانية والرحمة، وأصبحت قلوبهم كالحجارة، نسوا من اهتمَّ بهم منذ الصغر، وعلَّموهم معنى الحياه منذ نعومة أظفارهم، وتحمّلوا مشاق الحياة وآلامها وأوجاعها من أجل أن يصل أبناؤهم إلى القمة.

«وبالوالدين إحساناً»، «ولا تَقُل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما»، آيات قرآنية لم يُلق لها بعضُ الأبناء بالاً، بل منهم من يُمارسون ضد آبائهم أنواعاً من العنف لا تُنسى، دون رحمة أو شفقة عليهم، الأمر الذي يزيد من شعور الآباء بالإذلال.

«الحياة صعبة جداً، ومؤلمة على كل من ضاقت بهم الأرض ورزقهم الله بأبناء لا يعرفون الرحمة»، بهذه الكلمات المؤلمة بدأت الحاجة فوزية عساف حديثَها، عن معاناتها ووجعها مع ابنها الوحيد.

وتتابع الحاجة فوزية: «تزوَّجت وأنا عمري 17 عاماً، ومنعني زوجي من إكمال تعليمي، وبعد مرور 13 عاماً توفّي زوجي تاركاً خلفه طفلي الذي ظننته من الذرية الصالحة».

تضع يدها المتجعدة على خدّها الحزين، وتُكمل حديثَها بكل حزن: «كان طفلي أمانة في عنقي حتى أوصله لمستوى يليق به، عملت في كثير من الأماكن، كنت خادمة في بعض المنازل، وبعدها في مخبز للمعجّنات، وكرّست نفسي لخدمته وتعليمه ليعيش بهناء وسعادة، حتى أصبح مهندساً كبيراً».

بحشرجة تملأ صوتها تكمل حديثها: «زوَّجت ابني بعدَ رغبته في الارتباط بفتاة أحبَّها في الجامعة أثناء دراسته، وكم كنت سعيدة جداً بهذا الزواج الذي حوَّلني فيما بعد لأكبر تعيسة، بعد أن طلبت زوجته أن يُلقي بي في بيت المسنين، وذلك لأنها لا تطيق العيش معي في منزل واحد، وبالفعل نفَّذ ابني أمر الملكة».

«بدأ بتنفيذ مهمته بالشتم والإساءة والكلام الفاحش، وضربي بكل ما يلقى أمامه من أدوات، آخرها كانت آلة حادة «المنشار»، ليأتي جميع مَن حولنا لإنقاذي من بين يديه، وإرسالي للمستشفى للعلاج، وبعده إلى بيت المسنين». هكذا ختمت الحاجة فوزية قصتها.

أما المسن عارف (60 عاماً) فقد وجَّه لي سؤاله قبل أن يتحدث معي: «لو جبتي قفص من ذهب وضعتي فيه عصفور رح يكون مرتاح؟!!»، كلمات قليلة، ولكن ذات مغزى كبير هزَّت جسدي، ولوّعت قلبي.

يتحدَّث عارف عن بداية قدومه لبيت المسنين: «جلبني أبنائي منذ سنة ونصف، وهم خمسة أبناء، أحدهم يبلغ من العمر 10 سنوات، والآخر 17 عاماً، يقضون حياتهم مع والدتهم في الأردن، وأحد أبنائي يعيش في فرنسا، إذ كنت أسكن في الأردن مع عائلتي، وافتتحت لزوجتي مركز تجميل في عمان، تلبية لرغبتها في إنشاء مشروع».

أستيقظ الثالثة فجراً لأداء قيام الليل وانتظار صلاة الفجر، وأتابع نهاري بالجلوس في الحديقة تحت شجرة الليمون وسماع زقزقة العصافير، وأحياناً نذهب رحلات إلى وادي الباذان، والمطاعم والمنتزهات، وأذهب إلى النوم الساعة التاسعة مساء، بعد أن كنت أقضي وقتاً طويلاً على الإنترنت، لكن بعد انتهاء مدة شريحة الإنترنت التي اشتريتها أصبحت أشعر بالملل، لعدم وجود ما يُسليني، طلبت من المديرة أن تسمح لي باستخدام إنترنت الجمعية، لكنها رفضت أن يستخدم أحد منا الإنترنت، وتمنعنا عن استخدامه قطعاً.

ويتابع: «لا أحد من أقربائي يزورني أو يسأل عني، وكأني خبزة يابسة منسية على جدار المدرسة، إنني الآن أصارع مرضي وحدي، حيث أعاني من انكماش في المخ نتيجة عدم التوازن، ولا أستطيع المشي إلا باستخدام ووكر، ورغم هذا الواقع المؤلم القاسي سأتحمل وأصبر حتى فرج الله».

وقالت مديرة بيت المسنين: «نقدّم ثلاث خدمات للمسنين، منها خدمات أكل وشرب ونوم، وأخرى تمريضية من الساعة 8 صباحاً وحتى 11 مساء، وأخرى ترفيهية من أجل خلطهم بالمجتمع».

وتابعت: «توجد إجراءات لأي أحد يريد أن يدخل بيت المسنين، منها أن يكون فوق 60 عاماً، وأن يكون قادراً على الذهاب إلى التواليت وقضاء حاجته بنفسه».

وأضافت: «تكون حالة المسنين في أول أسبوع صعبة ومؤلمة جداً، ونحن نطلب من أهالي المسنين زيارتهم باستمرار؛ كي يكون هناك تواصل بينهم، ولا يشعر المسنون بفراغ».

وأنهت حديثها: «ليس من السهل أن يستقبل المسنون أحداً أو يتكلموا مع أحد، حيث إن المسنين لا يعطون الأمان بسهوةه لكل مَن يزورهم، أو يريد التقرب منهم».

ويؤكد الكثير من الباحثين أن أسباب العنف ضد الوالدين ترجع إلى عوامل أسرية، نتيجة التفكك والتدليل الزائد وعدم متابعة الأولاد، والحالة الاقتصادية، أيضاً أصدقاء السوء، والبطالة، وعدم العمل تدفع الشباب إلى تفريغ طاقتهم في العنف. يجب العودة إلى أخلاق الإسلام، واختيار الصديق الصالح، وأن يكون لدى الأسرة ترابط وتماسك.