كنت أخطط لبدأ سطوري هذه ب " لم يتغير الكثير من حينها " فهي عبارة قوية ، و لكن بلى تغير الكثير !

لا أذكر هل هذه احدى الصفات التي نكتسبها أثناء مرورنا في محطات الحياة ،  ام أنني أحب البقاء منعزلا بعض الشئ منذ الأزل ، ليس التوحد ، و لكن هناك أشياء في هذه الحياه لا يفهمها الجميع ، السماح للقليل من ضوء الشمس بالتسرب للغرفة التي هي ملكك وحدك القليل منه فقط ، فتح النافذة قليلا ايضا لأنه لا حل لذلك الهواء المنعش البارد الذي كان ليجعل مدخني الكوكايين يقلعون للوقوع في إدمانه و الشعور به عبر صدورهم و أرواحهم ، و جهاز الحاسوب المتصل بالإنترنت يعمل أمامك ، و خلفية الحاسوب ذات لون أسود عليها بعض المجرات ! ، و هناك كوب الشاي بالنعناع الواقف على يمينك ايضا ، و أنت تخطط ، تفكر ، تبحث ، تقرأ .

و لا ، انا لا احاول عد حسنات ان تقفل الباب و تكون مع نفسك ، لانها لا تتماشى مع الكل ، ففي النهاية لا تعيش كل انواع الاسماك في الماء المالح و لا كلها في العذب ، لدى كل منا عالمه المثالي الذي يحياه .

ما زال هذا المنظر جميلا ...

حتى تترك عالمك الصغير لرحلة صغيرة ممتعة ، مثل الذهاب الى الجامعة !  

 و لحظة قمت بفتح باب العالم الخارجي كان جاري الذي تعاركنا انا و هو قبل فترة أول من يقول لي صباح الخير ، و لكن ليس بهذه الطريقة بل قال بأسلوب الساخر : و من مات عليكم اليوم ايضا ؟

كتعليق على لون ثيابي السوداء فانا احب هذا اللون و اغلب ثيابي هي اما أسود او احدى تدرجاته دعك من هذا ، ما شأن هذا الأحمق بلون ثيابي ؟؟

لا أتذكر اني قمت بإستعارة غسالتهم يوما ما لغسلها !

فرددت عليه بصوت عال ليسمعني : لا ما حد مات و لكن معزي نفسي على أنك جاري .

سكت لبرهة ثم أطلق سيلا من الشتائم و أستمريت انا في المضي نحو طريقي ، و مازلت أفكر هل يدفع ثمن ثيابي و انا لا أعلم؟ ما شأنه أصلا ؟؟

لا بأس ، تذكرت أني في طريقي للجامعة على اية حال فأسترجعت بعض السعادة و النشاط مجددا

و هناك في الطريق يصادفك ذلك الشخص الذي لا بد أن يصادفك هو او أحد اقربائه النفسيين مره في الأسبوع على الاقل فيمر من أمامك و تعابير وجهه تقول " الحياه عباره عن جحيم " ، و بهذا مبروك تعكر مزاجي أكثر من السابق لمجرد رؤيته و هناك شئ يقول لي انه سيقوم بإحراق نفسه لاحقا .

لا بأس ، اذا لم يحرق نفسه فعلا سأعطيه نصيحة حين التقي به المرة القادمة بأن لا ينظر في المرآة حين يكشر بهذا الشكل لأن هول المشهد وحده قد يفتح في المرآة بعدا أخر او أسوء حتى .

إنتهينا من هذا و ها أنا ذا أدخل للمحاضرة ، يا للخساره لقد تأخرت قليلا !

لذا قرر الدكتور ان يحول عنوان المحاضرة من التشفير إلى قصة حياتي - و التي لا أعرف من اين أتى بها - التي تصف كيف أني مستهتر و لم أحضر اي محاضرة في وقتها منذ تسعين قرنا او ما يقاربها لهذا هو غاضب ، رغم ان هذه هي المرة الأولى على ما أتذكر ! .

بعد أن إنتهى و أنا أعد الكلمات عدا و أشعر بها مثل المشارط التي تمزق كرامتي امام الجميع ، و سأظل أتذكرها لعدة قرون قادمة حتى بعد أن أتحول الى بترول او غاز طبيعي ، و اذا كان هذا الوقود سيتم ٱستعماله في سيارة أحد من نسل هذا الفيلسوف فأنا واثق من أني سأقوم بإحراق المحرك حتى !

قمت بالجلوس أخيرا ، و أحاول أن أحصل على معلومة حول خوارزمية رسا للتشفير و البروجكتور يعرض الصور التي يشرحها الدكتور على الجدار ، عدا عن !

أن صاحب التسعة أمتار لم يختر مقعدا من بين الأربعين الاخرى غير الذي سأقوم أنا بالجلوس خلفه !

فقررت أن أتابع المحاضرة سمعيا و صدقني لن أفهم أي شئ ، انا أعرف .

و أعرف أن الرادار الموجي لدى الدكتور سيقوم بإلتقاطي لحظيا اذا فكرت في أن أتحرك لمقعد آخر خصوصا انه مازال يتذكر و سيبقى لبضع شهور آخرى موضوع أني تأخرت ٥ دقائق كاملة بدون تقسيط عن المحاضرة ، لذا فإن صواريخ أرض جو الصوتية من نوع من الفم الى أعماق الروح ستطلق حتما خلال لحظة ، لذا قررت الجلوس و عدم فعل أي شئ .

و مازال التفكير في أمر الظريف الذي إستيقظ مبكرا فقط ليضايقني بتعليق لم أطلبه منه يزعجني .

قررت الخروج في النهاية ، و لكن لا تقلق لست مجنونا فأنا لم أفعل ذلك قبل إنتهاء المحاضرة المملة ، و لم أعرف قبل الأن كيف تكون المحاضرة مملة و هي عن موضوع تحبه ، لأني لم أكن أعرف أن هناك شخصا من معارف قوم عاد شاهقي الطول مازال موجودا ، أفكر في إخباره بأنه أثار حضارية حيه قد يقتنع و يضع نفسه في المتحف عوضا عن منعي من الدراسه ، و لكن لا لن أفعل .

تجنبت كل زملاء الدراسة و خرجت مسرعا ، أقله أن لدينا محاضرة واحدة هذا اليوم ، فهو لا ينقصه المزيد حقا .

صعدت على الباص و لحظة أصبحت رجلي داخله قال لي أحد الركاب بأن يومي لم يسئ بالقدر الكافي بعد ، و لكنه لم يقلها عبر فمه ، بل عبر إشعال سيجارته البغيضه و أنا الشخص الذي يعاني حساسية شديدة منها ، فكرت في سحب قدمي التي دخلت لتصبح مع تلك التي في الخارج ، و لكني لا أخطط للإنتظار تحت هذه الشمس لذا سحبتني قدمي التي في الداخل ، هل من الضروري ان يكون هناك قانون يمنع التدخين في الباصات لأنه لا يطبق هنا رغم وجوده ، أم أن علي أن أخبر هذا الغبي أن ثلاثة أيام من ضيق التنفس يشبه و جودك في صندوق مغلق تحت الأرض ؟

و صلت أخيرا الى البيت ..

و كأني دخلت النعيم فجأة .

إنتهى كل شئ و سأستطيع إغلاق الباب و التمدد أخيرا على سريري المريح بينما أشعر بالهدوء و السكينة و الهواء المنعش .

و قبل أن أغفوا حاولت أن أسترجع كل ما حدث لي في هذا اليوم ، و كل الضغط الذي مررت به .

و لكني غفوت أصلا قبل أن أدرك .

و عندما رفعت رأسي ، و كأن عقلي كان ينتظرني لأستيقظ ليكمل ما كنت أفكر فيه قبل أن يغزوني الإسترخاء و أسقط في أرض النائمين ،  أول ما قفز الى رأسي جاري الذي أعطاني تحية صباحية على ذوقه الخاص ، و بعد التفكير في الأمر بصراحة أعتقد أني ثرت لمجرد تعليق ! ، لن ينقصني إستهزائه أي شئ و لن يزيدني مدحه شيئا أيضا فلماذا أهتم ؟

ورن جرس أحد الإشعارات على هاتفي ، فتناولته بكسل، فإذا بها رسالة في إحدى مجموعاتي على الواتساب تقول " أشعل شمعة بدل أن تلعن الظلام " ، الا ينطبق هذا على الرجل الذي كان يبدوا غاضبا لأقصى درجة صباح هذا اليوم ، لماذا أثر فيني لهذه الدرجة هل المشاعر تنتقل بين البشر بطرق بسيطة كهذه ، هذا منطقي بعض الشئ ، لا يمكنك أن تسمع شخص يبكي و تواصل المرح دون الشعور بغصة في قلبك ، في هذه الحالة ألم يكن علي أنا نقل سعادتي إليه بدل أن أسمح لغضبه بتملكي ؟

كل ما فعلته هو لعن الظلام ! .

مهلا بالحديث عن الهاتف ، الساعة !!!

إنها الثالثة و النصف ، هل نمت كل هذا الوقت !!!

نهضت لأتوضئ ، و ما أثار ذهولي أكثر من كون البيت فارغا ! هو ذلك الرجل مقطوع الرأس الممد على الأرض ، كلا انا أمزح ما أثار ذهولي هي الساعة المعلقة في منتصف البيت و التي تشير الى الرابعة و النصف ! ، اما فراغ البيت فهو شئ طبيعي اليوم ، لأنهم اخبروني بأنهم ذاهبون الى بعض معارفنا و لم يسألوني القدوم معهم بما أنهم يعرفون ان إجابتي ستكون " لا أفضل البقاء في غرفتي " .

بالحديث عن الساعة !!!

فهمت كل شئ الأن !

بالأمس كنت أتسلى بإحدى الألعاب على هاتفي و هي من النوع الذي أفضله بالضبط ، الإستراتيجية ، تحديدا تلك التي تتعلق ببناء المدن !

و لكن لأني أكره الإنتظار و هناك الكثير من الأشياء التي تحتاج الى تطوير و الذي يجعلك نتنظر لخمس او ست ساعات أحيانا ، فقد كنت أقوم بتقديم الوقت على الهاتف و هذا سر أن مدينتي تتضخم بسرعة ، إنه الغش يا ساده :) .

و يبدو أنني قدمت الوقت عدة مرات ، لدرجة دوران الساعة 350 درجة ، " ورغم ذلك ليس 360 ! "

و بهذا إكتشفت للتو سبب إنفجار الدكتور !

إنه شئ طبيعي ، لا تقم بالحضور بعد نصف المحاضرة بكل برودة و أنت تتوقع ان يقوم بإستقبالك بصندوق حلويات .

قمت بتعقيد الأمور و جعلت أشياء صغيرة تضايقني ، و من ثم أخطأت و ألقيت بنتائج خطئي على غيري .

أما الطالب طويل القامة فنحن لسنا في فلم "بريزن بريك" لأطلب إستخدام الفأس عليه أيضا ، ولو فكرت في الأمر فأنا الذي قمت بالجلوس خلفه و ليس هو من قام بالجلوس أمامي لاعترض ، فهو خطأي أيضا ، و ليست مشكلته ، و لكن غضبي من كل ما حصل قبلها جعلني بركاناً لا يعرف المنطق .

...

نهضت اليوم التالي و كان بإنتظاري كالعادة جاري أمام الباب ، تكلم كثيرا و لكني في الواقع لا أتذكر مالذي قاله فلقد كنت أفكر بماذا تعشيت ليلة أمس و حين تذكرت أمره كنت قد إجتزته بأمتار فعلا ،

و حين و صلت الى الجامعة و قابلت ذلك الرجل المتجهم مجددا قمت بالإبتسام و هو أرتبك لسبب ما، إبتسامتي لن تحل مشاكله و لكنها تخبره بطريقة ما أنه مازال هناك من يمكنهم الإبتسام في هذه الحياة لذا يمكنك أنت أيضا .

تأكدت من ضبط ساعتي في اليوم السابق لذا حضرت في الوقت المناسب بل و قبل المحاضرة بدقائق ، و أكتشفت أن الدكتور ليس بتلك الشراسة بعد أن رفعت يدي و أستئذنت منه بالتحرك لمقعد آخر حيث أن الشمس المتسللة من النافذة كانت تشويني على البطيئ فسمح لي .

و في نهاية اليوم عندما عدت لغرفتي كنت أشعر براحة أكبر و نشاط سمح لي بالقفز الى الحاسوب و مواصلة عملي .

ذلك الشعور بمضايقة الأخرين لي و تعمدي دوما و التفكير بكم حظي مريع بدء يتلاشى فعلا ، لأني لم أعد أركز على الأمور التافهة و الصغيرة بعد الأن ، كل ما أحتجته طوال ذلك الوقت هو تقبل الأشياء و جعلها تمر و حسب دون شخصنة الأمور و التهويل منها ، كن باردا مثل الجليد يا صديقي لأن من لا يتعلم فن برودة الأعصاب يموت حرارة ، فلا شئ مهم أكثر من أنك حي و لديك الفرصة لتمتلك شئ يخصك حياة تخصك هدفا يخصك حلم لك وحدك ، فروحنا هي الشئ الذي لا يمكن لأي مخلوق إيذائه و حتى ملك الموت الذي يملك أعلى صلاحية وصول اليها أقصى ما يمكنه فعله هو إرسالها لترى روعة خالقها و نحن روح !

النهاية .