إن السؤال ولا شك ينطوي على قدر كبير من الأهمية فالرقص في الواقع يمكن أن يشبع ميولاً متباينة تبعا للعصر والأشخاص الذين يزاولونه، غير أنه من الضروري أن نفرق بين الرقص الذي يمكن أن نصفه بالرقص ”التلقائي“ وهو الذي ينجم بدافع من مشاعر داخلية قوية كالفرح أو الألم مثلا، أو بتأثير إيقاع موسيقي لايمكن مقاومته، وبين الرقص ”المتطور“ الذي تسوده وتكونه أشكال وعقائد خاصة يلتزمها الراقص أو الراقصون.

وهو في الحالة الأولى أداء حر وعفوي أما في الحالة الثانية فهو يتحول إلى أداء نضامي، كثيراً ما يكون صعبا وإن كان مع ذلك لا يخلو من العفوية.

وثمت تفرقة أخرى في ما يختص بالرقص القديم، ففي المجتمعات البدائية كان الرقص الذي يزاول بقصد الحصول على المطر من الآلهة أو الشفاء من المرض أو لطرد لأرواح الشريرة يعتبر رقص محاكاة، وذلك عندما كان الراقصون يمثلون الأحداث المرغوب في تحقيقها بالإشارات والإيمائات.

وبعد أن يندمج الراقص في أدائه كان يتمثل الشخصية التي يتقمصها، ”حيوان“ أو ”إله“ أو ”روح“، وعندئذ تتوارى شخصيته بتأثير قوة خفية تتملكه وتوجه حركاته.

وعلى هذا الأساس يمكننا القول بأن الهدف من الرقص كان الإغراء والتأثير بالمعنى الأولي لهذا التعبير. وفي هذه الحالة يكون الراقص في حالة تقترب من الإنتشاء فيتجرد من الأنا ”شخصيته“، ويشعر عندئذ بأنه وصل الى درجة من القوة تمكنه من السيطرة على الأحداث.

وقصارى القول إننا نستطيع أن نستخلص من هذه الإفتراضات فيما يتعلق بنشأة الرقص أنه بدأ كتعبير حركي ولغوي كنقل المشاعر أو الميول أو الرغبات إلى الآخرين أو لاستحضار قوى خفية فوق طبيعية، ثم أصبحت الإيمائات الحركية بداية لنشاط رياضي في بادىء الأمر ثم تحولت الي متعة جمالية وأخيراً إلى فن.