اعتاد مدربو التنمية البشرية، وبعض المتخصصين في المشاريع الناشئة ضرب الأمثلة برجال أعمال حققوا نجاحات متعددة وشركات رائدة على المستوى الدولي دون أن يكونوا ناجحين دراسيًا، إذًا هل لابد من فشلي في الدراسة حتى أكون بذرة رجل أعمال ناجح؟!

بالرغم من النية الطيبة من هولاء بدعوة الشباب للاجتهاد في حياتهم الشخصية حتى وإن كان بها الكثير من الفشل لمحاولة الوصول إلى النجاح، فإنهم تسببوا في صنع نموذج لرجل الأعمال الناجح على أنه فاشل دراسيًا، وهو الشيء الخالي من الصحة تمامًا.

أولًا: هولاء الفاشلون الذين يغلب الحديث عنهم عند ذكر أي رائد أعمال ناجح، مثل ستيف جوبز وبيل جيتس ومارك ذكربيرج، لم يكونوا فاشلين في حقيقة الأمر. فستيف جوبز لم يرغب في التعليم لعدم إرهاق أهله ماديًا، ومع ذلك كان يقوم بحضور محاضرات في علوم الحاسب والفن وإدارة الأعمال بشكل متكرر دون الالتحاق بأي من هذه الأقسام بشكل رسمي. وبمجرد الوصول لفكرة الحاسوب الشخصي -والتي ابتكرها في حقيقة الأمر صديقه ستيف وزنياك للانتهاء من أعماله وهو في المنزل- وجدها فكرة تجارية ناجحة وبدأ العمل عليها والبحث عن رجال أعمال لديهم الاستعداد للمجازفة بالمشاركة في إنشاء شركة Apple والتي أصبحت أغلى شركة على مستوى العالم عام 2012. كما أن مارك ذكربيرج كان من المتميزين في قسم علوم الحاسب في جامعة هارفارد الأمريكية، حيث إنه كان ملتحقًا بمنحة للدراسة بالجامعة، وهي منحة خاصة للمتميزين فقط. ولم يتخل عن دراسته إلا بعدما وصل موقع Facebook إلى أكثر من مستثمر وأصبحت شركة كبيرة لديها الكثير من العاملين فاحتاج أن يترك دراسته ليتفرغ لإدراة شركته الناجحة، والتي كانت مجرد فكرة لتجميع أصدقاء الجامعة سويًا. أما بيل جيتس، فهو كان عاشقًا لعلوم الحاسب منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره بالرغم من دراسته الحقوق، بسبب عمل والده كمحام، ولم يفكر في ترك دراسته إلا بعد تأسيس شركة Microsoft وتعاقدها مع شركة IBM ليقوم بتوريد نظام تشغيل -سينافس أنظمة Apple كما وعدهم حينها- فوجد أنها الفرصة ليتفرغ لشركته الناشئة وإنجاز أعمال من شأنها جعل شركته رائدة للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية.

ولكن الثلاثة لم يتركوا دراستهم أو عملهم ثم يبحثون (ها.. ما العمل الآن! نريد فكرة جديدة تحدث ضجة فى السوق).

ثانيًا: وبغض النظر عن كمية رواد الأعمال الناجحين في الغرب والذين أكملوا دراستهم ويحملون الشهادات الجامعية ورسائل دكتوراة أيضًا -مثل لاري بيج وسيرجي براين مؤسسا موقع Google، الشركة التي تضع ضمن شروط التقدم لوظيفة لديها شرط “يفضل حملة الماجستير والدكتوراة”- دعونا نتحدث قليلًا عن رواد أعمال عرب حققوا نجاحات عملاقة وبدأوا أيضًا من الصفر ولم يتركوا دراستهم، بل كانت حياتهم إلى حد كبير روتينية كما هو المعتاد في وطننا العربى العزيز. ولكي لا أطيل عليكم سأتحدث عن أحد أكبر رواد الأعمال في المنطقة العربية والذي يعني الكثير لي شخصيًا وهو المهندس والمعلم عثمان أحمد عثمان مؤسس شركة “المقاولون العرب”.

كان عثمان يتيم الأب منذ أن كان في الثالثة من عمره، ونشأ برعاية أمه وأخيه محمد، أخيه الأكبر. وبعد الانتهاء من الدراسة في كلية الهندسة جامعة القاهرة بتقدير يؤهله للانضمام لطاقم أساتذة الكلية، ولكنه رفض وقرر أن يقوم على مشروعه الخاص وهو إنشاء شركة مقاولات كبيرة تصل لمستوى عالمي، وكانت صدمة الأسرة كبيرة حيث إن المقاولين وقتها لم يكونوا متعلمين، فكيف تكون مهندسًا وتعمل مقاولًا! ومع ذلك استمر في حلمه والتحق للعمل مع خاله المقاول حتى تعلم أساسيات المهنة وأصبح قادرًا على إنشاء شركته الخاصة (عثمان أحمد عثمان-مهندس ومقاول) حيث بدأها في الإسماعيلية ثم انتقل بالعمل إلى القاهرة حيث المشروعات العملاقة. وحصل على عمليات حكومية زادت من خبرته وعلاقاته حتى أتت ثورة 52 ثم مشروع السد العالي والذي كان نقلة عملاقة لشركته التي أصبح اسمها في هذا الوقت (المقاولون العرب-عثمان أحمد عثمان وشركاه).

والأمثلة كثيرة على رواد الأعمال الناجحين دراسيًا وعمليًا؛ فالقيام على مشروعك الخاص يحتاج الكثير من الخبرة والتي تكتسبها بشكل مبدئي في دراستك. أما إن كان مجال دراستك يختلف عن مجال المشروع الذي تسعى لإقامته فأنت تحتاج لوقفة جديدة مع نفسك وتحدد اتجاه حياتك لكي تستطيع أن تحقق ما تريده فيها. ولكن، وجهة النظر الشائعة بخصوص الفشل الدراسي وأن الفاشلين أو من لم يكمل تعليمه هم رجال الأعمال الناجحون، فهذه صورة خاطئة تمامًا؛ حيث إن أول صفة من صفات رواد الأعمال هي القدرة على التعلم تحت أي ظرف. دائمًا ما يبحثون عن الجديد في مجالهم ويسارعون لتعلمه، لكي يثبتوا لعملائهم مدى تفوقهم على المنافسين في مجالهم وتستمر علاقة الثقة بين العميل والخدمة أو المنتج الذي يقدمه هولاء الرواد.

لكي تصبح رائد أعمال ناجح، فاعلم أنه لديك الكثير من المهارات لتعلمها. ولا تيأس أو تشعر بأن هذه المهام مرهقة ولا يمكنني الاستمرار هكذا، فقط تذكر “لو كان النجاح سهلًا، لحققه الجميع”.