توجد الكثير من المقالات التي تتحدث عن العمل المستقل ، وما دمتَ هنا فأعتقد أنك طالعتَ بما فيه الكفاية من المقالات ، لكنك تقول في نفسك أنها مقالات تتحدث عنهم هم في بلادهم المتقدمة، التي ربما يتوق الكثير منا للعيش فيها بل السفر اليها، و أحيانا المخاطرة من أجلها . ربما ظروفك الآن لا تسمح لك بالانتقال هنالك وترى العمل كمستقل يجب أن يُشرح في حالتك الخاصة وهي الحالة العربية عموما والبلاد النامية.

فكرتُ بدايةً في ترجمة مقال يتحدث عن الاستقلالية ، لكن كما أعتقد أن التربة الأجنبية ليست كالعربية ، لذا فالنبتة التي هي العمل المستقل أو انشاء شركة ناشئة ستنمو مع قصور شديد أو تهلك أو يتخطفها الطير . باختصار كيف يمكن أن نحدّد الخطوات للعمل المستقل في العالم العربي؟ بخصوصية مجتمعنا و حالتنا الخاصة ؟ ووضعنا الذي نعيشه الآن ؟. ومن واقع تجربتي فكرت في هذه الخطوات .وبداية علينا أن نخرج أولا من المستنقع الذي نحن فيه .قبل أن نخرج لنطرح هذا السؤال ولنحاول الاجابة عليه :

هل أترك الدراسة و أعمل من الآن باستقلالية؟

حسب حالتك ، إن كانت نتائجك سيئة ، وكنت قد حاولت بما فيه الكفاية ، ورأيت أن الأمر غير مجدٍ ، هناك عموماً حلان:

الحل الأول : هو أن تتوقف و تبدأ عملك الخاص (لمّا تُقدر بموضوعية أنه لا يمكنك الاستمرار أبداً في هذا الأمر، و الأفضل أن تتخذ هذا القرار بحيادية ، و من الأفضل أخذ استشارة من تثق فيهم). وهناك ملاحظتان لهذا الحل:

-التوقف عن الدراسة الأكاديمية لا يعني التوقف عن التعلّم والمطالعة.

-البدء بعملك الخاص ومن الصفر شيء ليس سهلاً. لم نقل أنه مستحيل ، نحن نتحدث أنه ليس سهلا وتحضير النفس له نفسيا و جسميا أمر واجب.

الحل الثاني : التعامل بذكاء مع حالتك التي أنت فيها.

لو كنتَ قد أعدت الأعوام مرارا في حياتك الجامعية ، و تبقت بعض المواد العالقة وأصبح لديك وقت يمكنك فيه ألا تحضر فيه للدروس والدروس التطبيقية التي أنجزتها من قبل فان هذه فرصة .يمكنك فيها البدء بشيئين:

  • عمل جانبي يُدّر عليك حدا أدنى من الاكتفاء المالي الذاتي.

  • وقتاً تُطوّر فيه مهارتك الاساسية التي تحتاجها في مشروعك او عملك كمستقل.

استفد من تواجدك بالجامعة:

  • استغل وقتك في زيارة المكتبة والابتعاد عن المنزل و الأصدقاء المحبطين سيعطيك دفعة كبيرة لانجاز عملك .

  • ركّز على المواد المتبقية لننتهي الجامعة ، وهكذا تكون قد ربحت عدة أشياء في زمن واحد ، وعوّضت ما يمكن تعويضه .

في الجامعة، في حالتك هذه يمكنك:

  • انشاء شبكة علاقات ستستفيد منها لاحقا . ربما أنت مبرمج أو كاتب و ربما أنت لست اجتماعيا لكن كونك اجتماعيا هو أمر جيد ، و ليس الناس كلهم سواء حتى لو مرت عليك تجارب سيئة، الناس كلها مرت عليهم تجارب سيئة والمؤكد أنك لست ملاكا وقد تسببت بتجارب سيئة للآخرين ، لذلك أفضل حل هو أن تتأٌقلم. هذا سيفيدك أساساً في عملك الخاص في وقت لاحقا.

الاستفادة من مشاريع التخصص في مجالك:

 لو أخبرتني أنك تدرس أدب أو شريعة ، لكنك مبرمج كيف أفعل هذا ؟ أنا في مشكلة ! الحل هنا هو :

تهجين الأفكار:

ألق عباءة تكنولوجيا المعلومات على الوضع الذي أنت فيه:

مثلا طالب بيولوجي:

-انشاء برامج في تحليل البيانات البيولوجية.

طالب أدب عربي:

  • يمكنك انشاء تطبيق-وب لمعرفة إلى أي بحر تنتمي القصيدة (رغم أنه موجود فعلا لكني أخبرك بالأفكار وأمثلة عنها فحسب). رابط مفيد :
http://bit.ly/1NxIpqT
  • انشاء برنامج تحليل سيميائي ( وما دامت دراستك أدب ، فأنت تعرف ما معنى سيمياء وهي علم أدبي أقرب ما يكون للخوارزميات ) للنصوص ولو طورته بدرجة كبيرة العديد من المؤسسات الثقافية تشتريه .

وهكذا مثل الجلسات مع الاصدقاء وفهم احتياجات الطلبة في جامعتك واحتياجات إدارة جامعتك نفسها (أعرف طلابا صمموا مواقع لجامعاتهم ، بموافقة العميد ورئيس الجامعة ) وهذا يتيح لك التفكير في الكثير من البرامج والمشاريع المهمة.

الخروج من المستنقعات:

المستنقع المالي :

حدد بعد دراستك للمشروع أو متطلبات عملك كمستقل كم يكلفك هذا ، وهكذا يتبقى عليك تحديد كيفية ستحصل على هذا المال (إما العمل مؤقتا حتى جمع المبلغ ، طلبه كسُلفة ، طلبه مساعدة من قريب يمكنه فعل ذلك).

فكر جيدا ان العمل كمستقل يتطلب أول الامر رأس مال مهما كان ، قد يخبرك أحدهم أن جهاز كومبيوتر ووصلة أنترنت تكفي، للأسف هي غير كافية لأن هناك عنصران أساسيان هما : أولا : المعرفة اللازمة ، وثانيا : تدبر أمر معيشتك، فلو كنت في بيت العائلة وتتصل مجانا في الانترنت وتملك حاسوبا ليس تابعا لك فهذه أولا ليست استقلالية و لا يساعدك في العمل .بالأخص في عالمنا العربي، حيث مفهوم العمل كمستقل غير متقبل على نطاق واسع ، وبالأخص ان كان والديك من الجيل القديم فستتسبب لنفسك في مجادلات و مشادات تؤثر عليك نفسيا وتثنيك عن التطور والتقدم في عملك كمستقل.

لذا النصائح العملية هي:

أن تعمل في مكتب خارج المنزل:

ربما تقول أنه من الصعب جدا الكلام بسهولة عن المكتب خارج المنزل ، وقد تخبرني أن ايجاد عمل في مكتب ليس سهلا ، سأعطيك بعض الاقتراحات منها العمل في مقهى انترنت ( وتخصيص وقت آخر للعمل كمستقل ، مثلا بعد اغلاق المحل ، لما يكون المحل مغلقا وأنت غارق في برمجة أو تصميم ما تذكّر معي الجاحظ في شبابه لمّا كان يكتري حوانيت الوراقين ، أي المكتبات ليلا ليبيت فيها كي يقرأ دون أن يشتري الكتب، قبل أن يصبح هو ما هو الآن في الأدب العربي ) مثال آخر العمل كمساعد في مكتب محاسبة ، العمل مع مقاول في الفوترة و ما إليه ، العمل في مكتب اعلانات ، العمل في مكتب جريدة ..الخ.

ولما يكون المحل مغلقا وأنت غارق في برمجة أو تصميم ما ، تذكّر معي الجاحظ في شبابه لمّا كان يكتري حوانيت الوراقين ، أي المكتبات ليلا ليبيت فيها كي يقرأ دون أن يشتري الكتب، قبل أن يصبح هو ما هو الآن في الأدب العربي .

 المستنقع الفكري:

المستنقع الفكري خطير، وهو يتمثل في الجهل والكسل و الاهتمام بالأمور الجانبية والتافهة والتي تُحبطك والتي تبعدك عن أهدافك.

المستنقع الشخصي:

نحن نكتسب عادات سيئة أكثر من اكتسابنا لعادات حسنة ، لهذا علينا مراقبة أنفسنا و كما تعمل تحديثا لمضاد الفيروسات لحاسوبك ، علينا أن نحلل عقولنا و أن نراقب أفكارنا ، على الأقل بشكل دوري ، لضمان أننا نسير على الطريق الصحيح حتى الآن .حتى لو تتمكن من تثبيت عادات حسنة في ذهنك وتفكيرك، حاول ألا تزيد أي عادة سيئة.

تهيئة العمل

تتكون من جوانب:  الجانب المادي والجانب المعنوي والجانب التقني:

الجانب المادي:

  • العمل في مكان خارج منزل عائلتك. لاجتناب المشاكل والمشوشات.

  • تدبر عمل يدر عليك على الاقل الاكتفاء الذاتي المالي حتى لو كان جانبياً. (سنتكلم عنه في اخر المقال).

الجانب المعنوي:

اكتساب المهارات اللازمة والمعارف التي تفيدك في السير بمشروعك ، أو عملك المستقل قُدما : دورات ، دروس ، مقالات ، كتب الكترونية.

الجانب التقني:

حاسوب مناسب لعملك . وصلة انترنت مناسبة ، الأجهزة الموافقة لك ، مثلا أنت مصور : الكاميرا تعتبر أساسية وهكذا.

الجانب التقني فصّل فيه الكثيرون في مقالات مختصة من أجهزة و برامج لذا لم نفصل فيه هنا.

الانطلاقة:

حاول الموازنة بين كل الأصعدة: مالياً واجتماعياً وشخصياً، وحاول المحافظة على التوازن قدر الإمكان ، ليس عيبا أن تكتسب بعض الديون ، إن كان تسديدها يلوح في وقت محدد وبإنهائك اعمال قمت بالبدء فيها فعلا وتفاهمت مع الزبون ، ستشعر بالضيق للدَين طبعا ، و احساسات كثيرة أخرى ستنتابك في مسيرتك للاستقلالية التامة .هناك مقالات حول المواضيع المالية والتوفير ستجدها في موقع الاقتصادي فيها الكثير من الفائدة.

التوفيق بين الواقع وعملك في الانترنت:

أن تكون مستقلا لا يعني أبدا أنك لا تعمل شيئا آخر، إلا كعملك مستقل عبر الانترنت ، ربما أنت تسعى لذلك، لكن في الطريق ليس من العيب أن يكون لك مشروع آخر تسترزق منه و يجعل أرضيتك المالية ثابتة تحت قدميك .. أعرف مستقلين يعملون في أعمال أخرى كمصممين في مطبعة أو جريدة –وهم حتى لا يذهبون للمكاتب الا للقاء زبائن معينين– أو لديهم محل لبيع المجوهرات الشبيهة بالذهب في السوق ، و لديهم وصلة انترنت وحاسوب ، أو يعملون في الليل أو النهار جزئيا في محلات أصدقائهم للبيزا أو الطعام السريع .. الأمر لا يشكل أي حرج ولا يعتبر شيئا يبعدك عن العمل المستقل، بل بالعكس يمكننا أن نهنئك أيها العربي وأخبرك بسرور: مرحباً بك في عالم المستقلين!

المصدر : موقع مقالة :

http://bit.ly/1GGixHu