في فترة من الفترات، كنت أُطارد كل فرصة تظهر أمامي، سواء كانت مناسبة لتخصصي أو لا. كنت أظن أن أي فرصة تُفوت تعني تأخيرًا في مسيرتي المهنية. لكن بعد خوض عدد من التجارب غير المناسبة، بدأت أرى الأمور بشكل مختلف. بعض الفرص، رغم أنها تبدو واعدة في ظاهرها، إلا أنها تُرهق أكثر مما تُفيد. قد تُبعدني عن التخصص الذي أريد أن أثبت فيه نفسي، أو تستهلك وقتًا وجهدًا في اتجاه لا يخدمني على المدى الطويل. تعلّمت أن التريث أحيانًا أفضل من الاندفاع، وأن الرفض ليس ضعفًا بل اختيار مدروس. بدأت أُفكّر في كل فرصة من زاوية "هل تضيف لي؟ هل تُقربني من هدفي؟ أم أنها فقط تبدو مغرية من الخارج؟" ومع ذلك، يبقى التمييز بين الفرص الحقيقية والمضللة تحديًا مستمرًا، فكيف نُصقل هذا الحدس، ونتخذ قراراتنا بثقة دون ندم؟
التفويت في بعض الفرص قد يكون لصالحك، فكيف تميز بين الفرص المناسبة وغير المناسبة؟
بالطبع تحديد الهدف والمطلوب من الأمور الهامة جداً، وحياتنا قصيرة بالمقارنة بكم الفرصة التى تأتينا لذلك لابد من اختيار الأنسب لنا والذى من خلاله نستطيع أن نبنى عليه ونكمل مستقبلنا.
يُقال أن الدافع للإختيار فى الحياة هو الغريزة وأن الغريزة يُحركها شيء من اثنين إما الحب وإما الخوف، فإن كان الدافع هو الخوف كالخوف من تفويت الفرصة مثلاً، سيكون مشوارنا مليئاً بالتوتر والتخبط، أما إن كان اختيارنا بسبب الحب كان طريقاً سهلاً وبه لهفة ورغبة شديدة للإكمال، كما أيضاً يجعلنا ذلك نعمل فى سعادة وارتياح، لذلك أظن أن أفضل طريق لاتخاذ القرار هو أن يكون قرارنا نابع عن الحب وليس الخوف.
أعتقد أن العمل ليس دائمًا حُبًا، بل كثيرًا ما يكون ضرورة، وأحيانًا يكون الخوف من تفويت الفرصة أو البقاء بلا دخل هو ما يدفعنا للمحاولة والاستمرار. انتظار الحب في كل قرار قد يجعلنا نرفض فرصًا فيها تحديات أو بدايات غير مثالية لكنها تفتح لنا أبوابًا أوسع لاحقًا.
لفتَني ما ذكرته عن الحب والخوف كدافعين للاختيار، وهذا يُعيدني لنقطة أخرى لا تقل أهمية، وهي أنّنا أحيانًا لا نختار بدافع "الحب" الحقيقي، بل بدافع "الانبهار المؤقت". فقد تبدو الفرصة مثالية من الخارج، أو تحظى بإشادة من الآخرين، فننجذب إليها ونظن أننا نرغب بها فعلًا، بينما نحن في الواقع مأخوذون بمظهرها فقط. التحدي هنا لا يقتصر على التمييز بين الحب والخوف، بل يتجاوز ذلك إلى القدرة على التفرقة بين الحب الحقيقي الذي ينبع من وعينا وقيمنا، والانبهار اللحظي الذي قد يدفعنا نحو طريق لا يشبهنا.
انا دائماً ما أقول أن الإنسان المتزن والذى يسعى للنجاح في الحياة لابد أن يوازن بين الحب والتفكير العقلي في الأمور، فالحب وحده لا يمكن للإنسان أن يعتمد عليه فى إختياراته وإلا قاده فى بعض الأحيان إلى الخطأ، والعقل وحده لا يستحسن أن يتم الإختيار بناء عليه لأن الحياة لن يكون لها معنى بدون حب ومشاعر، لذلك فكل منهما يكمل الآخر ( فكر فى الأمور بعقلك لكن لا تُهمل اختيارات قلبك )
بالنسبة لي قررت أن أضع قاعدة عملية لنفسي: أي فرصة لا تخدمني بعد 6 أشهر من العمل عليها، أو لا تضيف شيئًا واضحًا لسيرتي الذاتية فهي ليست لي، وبدأت أقيم كل عرض أو مشروع بناء على هذه القاعدة وصرت أكثر هدوءًا في الاختيار، وأدركت أن أول ما يجب التركيز عليه هو تخصصي، لأنه الأساس الذي أبني عليه مستقبلي، وإذا كان هناك شيء إضافي أود تعلمه فلا بأس، لكن بشرط ألا يكون على حساب مجالي الأصلي الذي أحبه وقضيت حياتي أتعلمه، المغريات كثيرة لكن الذكاء هو أن نعرف متى نقول نعم ومتى نبتسم ونقول شكراً ليس الآن.
أتفق معك يا بسمة في ذلك. وأظن أنك قد تعلمتيها بالتجربة و الخطا أو بالطريقة الصعبة كما يقولون. ولكن أنا من البداية لم أنزلق إلى ذلك بحيث أن أي فرص تعرض علي - كثيراَ ما تعرض- لا تتلائم وقدراتي او تتطلب مني تعلم أشياء جديدة كل الجدة بالنسبة لي لم أجر ورائها. يعني ما أكثر ان يتم اختياري لمشاريع تخص المونتاج وتخص صناعة محتوى في نيتش لا يلائمني بالمرة فلم أكنأستجيب لذلك الإغراء. أعتقد أنك محقة في الاهتمام بالتخصص و الاستوثاق من أنك قد ملئت يدك منه وأنه أصبح طوع بنانك كما يقال. ولكن لا أتفق معك في أنك تعطي نفسك فترة 6 أشهر لفرصة قد لا تعودين إليها! ألا ترين أن تلك فترة طويلة وكان من الأجدر ان تتخيري مجال بجانب تخصصك تثقين أنك تحبيه وتكملي فيه كل هذه المدة؟!
التركيز على التخصص جيد لكنه ليس دائمًا مقدّسًا. كثير من النجاحات اليوم تنبع من التداخلات بين الحقول، لا من البقاء في حارة واحدة. أحيانًا، "الشيء الإضافي" هو بالضبط ما يجعلنا مختلفين ومطلوبين، لا ما نفعله ضمن السائد.
أعجبني وضعك لقاعدة واضحة تسهّل اتخاذ القرار، وهذه نقطة أرى أنها تُخفف كثيرًا من التردد والحيرة. ومن تجربتي، لاحظت أيضًا أن بعض الفرص قد تبدو صغيرة أو بسيطة لكنها تحمل في طياتها أثر عميق على المدى البعيد، والعكس صحيح. لذلك، إلى جانب التقييم العقلاني، بدأت ألاحظ أهمية التقييم العاطفي والداخلي أيضًا: هل أشعر بالحماس الحقيقي تجاه هذه الفرصة؟ هل تُشبه طريقتي في العمل وأسلوبي في التعلم؟ لأن التجربة أحيانًا لا تُقاس فقط بالنتائج الظاهرة، بل بتأثيرها على نظرتنا لأنفسنا وطريقتنا في التعلّم والنمو.
اتفق معك جدا بالنسبة لي تعلّمت أن ليس كل ما يُعرض عليّ يستحق القبول أحيانًا ننجذب لفكرة الفرصة فقط لأنها متاحة أو تبدو جذابة من الخارج لكن التجربة تعلّمنا أن الانسياق وراء كل فرصة قد يؤدي إلى تشتت وضغط غير ضروري بدأت أضع لنفسي سؤالًا بسيطًا لكنه حاسم قبل اتخاذ أي قرار هل هذه الفرصة تخدمني فعلًا في طريقي أم فقط تُشعرني بالانشغال والإنجاز الوهمي؟ أحيانًا نحتاج إلى أن نُفكر بعمق أكثر مما نُبادر والتمييز بين الفرص لا يأتي من الحظ بل من التجربة والتأني ومع الوقت نصبح أقدر على معرفة متى نقول نعم ومتى نقول لا دون تردد أو ندم
ما ذكرتِه عن الانشغال والإنجاز الوهمي جعلني أتأمل في نقطة أخرى وهي أن الركض وراء كل فرصة أحيانًا يجعلنا نشكك في قدرتنا على اتخاذ القرار. عندما نقفز من تجربة لأخرى دون وضوح، نفقد ثقتنا في حدسنا، ونصبح أكثر ترددًا حتى في الفرص التي تناسبنا فعلًا. من تجربتي، التوقف قليلًا للمراجعة بعد كل تجربة، ومحاولة فهم ما جذبنا لها، يساعد كثيرًا في صقل رؤيتنا. التمييز بين الفرص لا يأتي فقط من التجربة، بل من التأمل فيما حدث داخل كل تجربة.
التعليقات