استوقفني اليوم مشروع على إحدى المنصات، وكان وصفه طويلاً بشكل لافت. بدأت في قراءته بحماس، لكن سرعان ما شعرت بالملل، فالوصف لا يكاد ينتهي! كل تفصيلة مكتوبة بتفصيل مفرط، حتى إنني شعرت بأنني أقرأ مستنداً تقنياً أكثر من كونه إعلان عن مشروع. من وجهة نظري، أرى أن وصف المشروع يجب أن يكون معقولاً إلى حدٍّ ما. كافياً ليُوضّح المطلوب بوضوح، دون الدخول في أعماق التفاصيل التي يمكن مناقشتها لاحقًا بعد بدء التعاون. لأن هناك تفاصيل قد لا تكون مهمة في هذه المرحلة، وقد تربك أو تُنفّر المستقل بدلًا من أن تشجّعه على التقديم. وما زلت أرى أن التوازن مطلوب، فأنا كمستقلة أقدّر أن يشرح العميل فكرته، لكن بطريقة لا تربكني، ويكون هناك مساحة لطرح الأسئلة واستكشاف باقي التفاصيل لاحقاً بحيث لا يكون المشروع تنفيذ أوامر فقط. فهل ترون أن كثرة التفاصيل في وصف المشروع أمر إيجابي أم قد تُعطي انطباع سلبي منذ البداية؟
ذكر تفاصيل دقيقة جداً في وصف المشروع، هل يساعد على جذب المستقل المناسب أم يُنفّر البعض؟
لا يسعني إلا أن أبتسم حين أقرأ بعض أوصاف المشاريع التي تشعرك أنك على وشك تقديم أطروحة دكتوراه، وليس مشروع للعمل عليه!
أحيانًا أشعر أن العميل كتب الوصف وهو في حالة تأمل فلسفي عميق… فبدل أن يقول "أريد تصميم شعار"، يبدأ بسرد تاريخ العلامة التجارية ، ويشرح لك لماذا اختار اللون الأزرق لأن جدته كانت تحب البحر!
لكن أتفهم لماذا في كثير من الأحيان يحدث ذلك, هذا الوصف المفرط لا ينبع من حب الإطالة، بل من نقص خبرة لدى صاحب المشروع، أو من تجارب سابقة أرهقته لأن "المستقل لم يفهمني صح". فيحاول أن يغلق كل الأبواب من البداية، فيتحول المشروع من إعلان عمل… إلى دليل استخدام!
وأحيانًا يكون السبب هو الخوف: "طيب لو ما شرحتش دي، يمكن المستقل يغلط؟ طيب والبند ده؟ طيب والاحتمال ده؟"… فيكتب كل شيء، فيُغرق الفكرة ويُرهق القارئ.
هذا يعتمد على طبيعة المشروع، فمن الغير المنطقي كمبرمج أو مصمم أو مسوق مثلا أن أقوم بوضع تفاصيل مقتضبة على المشروع، التفاصيل مهمة في المشروع، طالما لا يوجد بها حشو وإعادة في تكرار في بعض المعلومات، لم ننظر للامر بسلبية! إن لم يطرح العميل التفاصيل تقومون بلومه وتتهموه بأنه لم يقدم المعلومات الكافية لتنفيذ المشروع "صحيح ناس لا يعجبه العجب ولا صيام رجب على قولة جدتي:("
برأيي يجب أن يتضمن وصف مشروعك أيضًا نقاطًا رئيسية مثل ، هدف المشروع، المهام المطلوبة، ما النتائج التي يتوققها العميل حيال مشروع، رفضلا عن تضمين المهارات المطلوبة في العرض
لم يكن مقصدي من الطرح التقليل من أهمية التفاصيل، بل التحفّظ على الطريقة التي تُعرض بها. فالتفاصيل التي تُكتب بطريقة مركّزة ومنظّمة، وتخدم فهم المستقل لطبيعة المشروع، هي بلا شك مطلوبة ومحبّذة.
لكن الإشكال يظهر عندما تتحول صفحة المشروع إلى كمٍّ هائل من التفاصيل الدقيقة والمتفرعة، دون ترتيب أو انتقاء لما هو ضروري في هذه المرحلة. هنا قد يشعر المستقل بأن عليه فهم عشر صفحات قبل أن يقرر إن كان سيضغط على زر "تقديم العرض"!
هدفي من الطرح لم يكن نقد التفاصيل بحد ذاتها، بل الدعوة إلى الاعتدال في عرضها، وترك مساحة للحوار بعد بداية التواصل، لأن بعض الأمور لا تُفهم إلا بالنقاش، وبعض التفاصيل قد تتغيّر حسب ظروف التنفيذ. والتوازن بين الشرح الكافي والإيجاز الذكي هو ما يجعل المشروع أكثر جاذبية للمستقل، لا أكثر إرهاقاً له.
شخصياً أرى أن كثرة التفاصيل تعكس انطباعا سلبياً وقد تجعلني كمستقلة ابتعد، لأني أرى خلف هذه التفاصيل عميل متعب أخشى أن يربكني وتصبح تجربة سيئة وبصراحة لست احتاج إلى تقييم سي ء
بصراحة من واقع المشاريع التي عملت عليها من قبل، فالتفاصيل الكثيرة وإن كانت قراءتها مملة ومبعدة للبعض، إلا أنها أفضل بكثير من عرض مبهم يتكون من جملة أو جملتين. وإن كان التوسط بين الأمرين هو الأفضل بالطبع بحيث يكون العرض فيه القدر الكافي من التفاصيل لكنه ليس طويلا للغاية، لكن العروض القصيرة والمبهمة غالبا ما تؤدي إلى خلافات فيما بعد بسبب عدم الاتفاق على التفاصيل من البداية، أما ذكر كل شيء منذ البداية يجعلل المستقل مدرك لما هو مقبل عليه وإذا كان مستعدا أم لا
أتفهم وجهة نظرك، وأعتقد أن ما ذكرته صحيح في كثير من الحالات، فالتفاصيل الدقيقة قد تساعد في تجنب الخلافات لاحقاً وتوضيح الصورة بشكل أكبر. لكن من جهة أخرى، قد يشعر البعض بأن هذه التفاصيل المفرطة تجعل المشروع يبدو معقد أو حتى مرهقاً قبل أن يبدأ العمل فيه. برأيي، التوازن هو الحل الأمثل؛ تقديم المعلومات الأساسية بشكل واضح وموجز، مع إتاحة المجال للمستقل لطرح الأسئلة واستكشاف باقي التفاصيل لاحقاً، هذا يخلق بيئة مرنة ومحفزة للطرفين
الوصف الناجح ليس بطوله بل بقدرته على نقل الفكرة بدقة وبساطة. الوصف المختصر غير المخل هو ما يلفت الانتباه ويشجع على التفاعل، لأنه يُظهر أن العميل يعرف ما يريد، ويثق في قدرة المستقل على استكشاف التفاصيل لاحقًا من خلال الحوار.
الإفراط في التفصيل قد يربك، بل أحيانا يوحي بأن المشروع جامد لا مجال فيه للإبداع أو التفاعل.
التوازن بين الوضوح والإيجاز هو مفتاح بناء علاقة عمل ناجحة من أول سطر.
التعليقات