رحلتُ بعيدًا عن أهلي.

أشياء أوّل مرّة أفصح بها ، آلام وأوجاع لشاب صغير كان بالأمس يحلم بأن يكون ويكون.

هذه قصّتي للأسف :

كم هائل من الألم بداخلي ولا توجد لغة بشتى أساليبها ومفرداتها يمكنها الإفصاح والتعبير عن ذلك الألم الموجع.

أتحدّث عنّي ، المراهق ذو ال18 عام الّذي يحمل من المشاكل ما لا يُحمَل.

أعيش مع أهلي ، أبي وأمي وأخواي الكبيران ، أبي وأمي يطبقن عليّ مجمل معايير العبوديّة ، من وأنا في الحادية عشر من عمري بدأ أهلي بذلك ، يقومون بحبسي أسبوع كامل داخل البيت عادا يوم أو اثنان ، مظنّين بذلك أنهم يقومون بتربيتي بالشكل الصحيح ويحموني من الشارع ، لا يريدوني أن أمارس هوايتي الخاصّة ظنًّا منهم أنها شيء زائد فقط تلهي عن الدراسة ، منعوني من تكوين أصدقاء وكأن جميع الأصدقاء أصدقاء سوء ، ولّدوا في وجع ما بعده وجع ، صرتُ أتمنّى الموت تمنيًا ، فكّرتُ حتّى بالانتحار إحدى المرات ، ولكنّ تذكّرت أنني سأخسر الدنيا والآخرة وكأنّ الله بعث لي رسالة قبل أن أفعل يقول لي فيها :( اصبر فإنّ بعد العسر يسر ).

لم أدرك في الواقع مدى عمق الجريمة الّتي ارتبكها أهلي في حقّي إلّا عندما كبرتُ قليلًا الآن ، فبدأت أنظر من حولي إلى هذه الدنيا كيف تسير ، بدأت أنظر إلى زملائي في الدراسة كيف يكوّنون صداقات وكيف يعيشون ، بدأت أقع في مخلفات عبودية أهلي لي ، فمثلًا أشعر بالخجل الشديد ، وخاصّة في المدرسة عند الامتحان الشفوي :

المعلمة : فلان حان دورك انهض.

أنا : يبدأ وجهي بالاحمرار بلا مبالغة أشعر وكأنه سينفجر من كمية الدم التي فيه ويبدأ البعض بالضحك عليّ ، ما ذنبي ؟؟! أهلي غرسوا في هذا ، لم يدعوني أختلط بالناس لم يقوموا بتربيتي اجتماعيًّا ولم يتركوني افعل.

وأعاني أيضًا من مشاكل في تكوين الصدقات ، أي باختصار أنني أعاني من مشكلة عميقة في الاندماج في المجتمع ، لأني لم أتعوّد على ذلك من صغري ، فلم يدرك أهلي شيء عن الّذي سأعانية عندما أكبر قليلًا ويكون علي أن أصبح فرد فعّال من المجتمع ( موضوع أكثر من مهم سأتحدّث عنه في مساهمتي التالية بإذن الله ).

أنا : لم أحدد تخصص معيّن ولكنّي ليست لدي رغبة بتاتًا في دراسة الطب.

أهلي : الطب.

أنا : تكوين صداقات وعيش الحياة الاجتماعية التي أريدها.

أهلي : لا.

أنا : ممارسة هوايتي ( التصوير ).

أهلي : مضيعة للوقت.

أنا : الذهاب والتنزه قليلًا مع الأصدقاء.

أهلي : لا ، اقرأ كتبتك.

أنا : 11 من 12 في اختبار الرياضيات.

أهلي : غير مسموح إلا ب12 من 12.

والكثير والكثير من الأشياء البسيطة وحتى المصيرية التي يفرضها أهلي عليّ ، أعيش العبودية بمعناها ، وذلك إلى جانب سلبيّة المجتمع الّذي أعيش فيه الّذي لا يتقبّل شخصًا يبدو وكأنه غريب قليلًا ، يريدونني ( أهلي ) كما يريدون للأسف ، وكأنّي آلة ( نم استيقظ ادرس ادرس ادرس نم استيقظ ادرس ادرس ادرس نم استيقظ ادرس ادرس ادرس........ ارقد في القبر ).

أخلقنا الله فقط لندرس ؟!

ملاحظة : مع هذا كلّه أنجح الأول على المدرسة ومتوفق جدًّا في دراستي والحمد لله أتمتع بذكاء قوي في الدراسة.

لا أتحمّل ذلك أبدًا ، أبكي كل ليلة في فراشي بدون علم أي أحد ، كل يوم أشعر وكأني لستُ شخص كباقي الأشخاص ( لأني فعلًا كذلك ).

بالأمس قررت الرحيل.

نعم الرحيل ، الذهاب بعيدًا عن أهلي والاستقلال لأشق طريقي في هذه الدنيا وأحقق ما أطمح إليه وليس ما يطمح إليه أبي وأمي.

وضّبت أغراضي وكتبت رسالة على ورقة لأهلي أخبرتهم فيها عن سبب رحيلي ، وضّحت لهم عن كل ما أشعر به ، لم ألمهم أبدًا ، فلم أكتب لهم أنهم السبب في رحيلي وأنهم قد جعلوا منّي شخص ضعيف اجتماعيّا ، سجين منزل ، .........إلخ ، طلبتُ منهم أن يحاولون نسياني ، لأني سأذهب بعيدًا دون رجعة ، سأعيش الحياة التي أريدها.

وضعتُ الرسالة على مدخل البيت وخرجت وقفلت الباب ورائي رافعًا رأسي محاولًا ألّا أبكي ، سأكون قويًّا ، سأتمكّن من تحقيق حلمي ، سأبدأ ببناء نفسي من الصفر وأصلح ما فعله أهلي بي ، انتهى عهد ذلك الضعيف المستعبَد.

خرجتُ من البيت وأعلم أني لن أعود أبدًا ، خرجت ولا أعلم ما مصيري ؟! أين سأذهب ؟! لم أستطع الذهاب إلى أي أحد من الأقارب أو أي أحد له صلة مع أهلي ؟! خرجتُ من البيت ولم أعلم ماذا سيحدث لي ؟! أين سأسكن ؟! ماذا سآكل ؟! أين سأدرس ؟! أي باختصار مصير مجهول.

نزعتُ الشفرة ( شريحة الاتصال ) لكي لا يتمكنوا من معرفة موقعي واللحاق بي ، وقمتُ بأخذ شفرة أخرى قديمة تحصلتُ عليها من أحد العاملين المصريين في البلاد ، لأني أحتاج إلى الاتصال ببعض الّذين أعرفهم من مدن أخرى بعيدة لكي يستقبلوني عندهم ، والآن أكتب لكم من منزل أحد الأصدقاء في الريف بعيدًا عن بيت أهلي ( بيتنا سابقًا ) الواقع في العاصمة.

أنتظر حاليًّا حافلة تذهب إلى الشرق الليبي ( عالم جديد لا أعرفه ) ، أريد أن أقطن هناك ، سأشتغل أي شغل لأتمكن من السكن والأكل ، سأحارب بعنف لأحقق حلمي ، فلم أقم بخطوة صعبة كالتي فعلتُها لأتوقف وأُهزَم.

لا أريد أن أفكّر في أن الخطوة المصيرية الّتي قمتُ بها صحيحة أم لا ، لأني فعلتها ولا يمكنني التراجع ، فإن رجعتُ للبيت سيقتلونني ، حتّى إن لم يفعلوا سأرجع إلى تلك الزاوية الظلماء في غرفتي ، سأرجع مقيّد !!.

أعذروني عن الأخطاء سواء الإملائية أو النحوية لأني في الحقيقة ليس لدي مزاج لكي أقوم بمراجعة ما كتبته.

هذه هي حكايتي لسوء الحظ التي كتبتها بيد وأمسح دموعي باليد الأخرى.