الحياة على قائمة الانتظار

لا بد لي من الاعتراف في البداية بأن قلمي قد صدأ، مرت عدة سنوات على آخر كتاباتي

تلك الظروف التي سال فيها حبر قلمي لآخر مرة تجعلني أفقد ليس فقط الرغبة بالكتابة، بل حتى الرغبة بالحديث

أذكر حينها أنني كنت خاطباً، وحبيبتي تعيش على بعد 1,5 كم فقط مني، ومع ذلك، كانت قد انقضت عدة شهور دون لقاء

النظام كان قد صنفنا كصنفين متضادين تماماً من البشر، لن أدخل في تفاصيل، كهرباء وماء واتصالات وغيرها، ببساطة صنفنا كجنس يستحق أن يعيش، وجنس لا يستحق أن يعيش

لم يكن ذلك عن تفكير، أو بعد نظر، أو حنكة، أو أي شيء، إلا لأنه وحين ضرب الحصار، كان كلاً منا على جانب منه

لا زلت أذكر ما كتبته، بعد أن أضناني الحنين، كتبه حينها على أنغام الميغ 23 وقذائف الهاون العشوائية

كتبت "في قصة عنوانها الحرمان، قصيرة هي المسافة، موجع هو الحنين، غريب هو الرابط بينهم

كطفل صغير، يتضور جوعاً

تؤلمه معدته ويكاد قلبه يتوقف من فرط الإعياء

ترى حاله يتحسن إن اشتم رائحة شواء؟

تراه يتحسن إن رأى الطعام؟

ماذا عن حاجز رفيع كضوء الشمس، من الزجاج الشفاف، يحول بينه وبين ما يشتهي؟ أشد عليه ألماً من جدار

تباً للحواجز، حرفياً، تباً للحواجز

في الحرمان، وفي الحرمان فقط .. نعمة هي المسافة، تناسب عكسي مع الألم، في معادلة معقدة، لن يفهمها إلا محرومٌ أو عاشق"

ربما كان ذلك آخر ما كتبت، ضاع قلمي، وانشغالي بتعلم الحياة، بإتقان الهرب من الموت، لم يترك لي وقتاً للبحث عنه

ها أنا ذا، خمس سنوات مضت، هربت من قبري متسللاً بين الجبال، تركت قلبي غارقاً بين الرماد

أعيش اليوم، لست تعيساً، ولست سعيداً، أعيش وكأنني أنتظر شيءً ما

أصنع قرشاً فأدفنه، لعلي احتاجه لاحقاً، فأنا زائر، ولا أعلم متى سيرغب مضيفي في مغادرتي

كانت كلمات أغنية عمرو دياب "أنا عايش ومش عايش" مدعاة سخرية في يوم الأيام

لن أقول إنني أشعر بها الآن، ولكنني ببساطة أشعر كأني انتظر حياتي أن تحدث

أشعر كأني أعيش على قائمة الانتظار