من أكثر الكتب التي قرأتها في علم النفس والتعامل بين الجنسين وأثرت في كثيرًا كان كتاب جون جراي (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة). لقد رأيت نفسي في كثير من المواطن في هذا الكتاب، ويظهر الجهد المبذول في الكتاب كثيرًا من النتائج والتحليلات والتفسيرات المتعلقة بالعلاقة بين الرجل والمرأة، وما هي أفضل طرق التواصل في الحالات المختلفة.

الكتاب أعاد إلى ذاكرتي دورة تدريبية حضرتها منذ أكثر من 15 عامًا في فنون التواصل الفعَّال مع الآخرين، وكان من ضمن تطبيقات الدورة، تدريب (نا .. والآخر .. والمراقب).

هذا التدريب كان تدريبًا عمليًا على تقبل الآخرين، وعذرهم عند الوقوع في الأخطاء. أما طريقة تنفيذ التدريب فهي من خلال الانتقال بين الشخصيات الثلاث: أنا .. والآخر .. والمراقب.

أنا:

هو يمثلني أنا فعليًا بشخصي وشخصيتي أيًا كان وضعي في القضية، مدعي كنت أو مدعى عليه.

الآخر:

هو الخصم الذي أمامي، الذي أتهمه، أو الذي يتهمني في حالة عكس الأدوار.

المراقب:

هو يمثل الحكم الخارجي في القضية، والذي يحكم بين الطرفين بحيادية وتجرد.

عند تقمص دورك، أنت لست في حاجة إلى الكثير من التمثيل، فالأمر واضحًا جليًا، وأنت تدرك وضعك جيدًا، سواء أكنت مرتكبًا للخطأ، أو من اُرتكب الخطأ في حقه.

أما الآخر فيمثل ذلك خصمك الذي أمامك. هذا التدريب يدعوك لتقمص شخصيته، والمرور بنفس ظروفه، واختبار ردود أفعاله حسب الموقف، وما إذا كنت في موضعه، بنفس ظروفه وإمكانياته البشرية والعقلية، ماذا سيكون رد فعلك؟

ميزة هذا الانتقال هو أنه يعلمك تقدير ضعف الآخرين، وكيف تعذرهم في حالة خطأهم، بعكس الأدوار معهم، وتخيل نفس الظروف وقد حدثت معك.

أما دور (المراقب) فهو يمثل التجرد الكامل من الحدث. بمعنى أن تتخيل وكأن الطرفين – أنا والآخر – قد طلبا منك الحكم بينهما في هذه القضية. وأنت كقاضي عادل ستحكم بينهما بتجرد كامل، بدون الميل ناحية أحد الطرفين، امتثالاً للقاعدة الأصولية (العدالة عمياء). أي أنها لا ترى الخصوم، فتميل إلى أحد الطرفين على حساب الآخر، لهوى في النفس.

بعد الانتقال بين الأطراف الثلاثة بمرونة، وانتحال شخصياتهم ونفسياتهم، عليك العودة مرة أخرى إلى شخصيتك، والنظر إلى الحدث بشكل جديد، فهذا حتمًا سيساعدك على الحكم على الشخص الآخر بدون انفعال، وأن تعذره بشكل كبير في خطئه.

حينما قرأت كتاب الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، تذكرت هذا التدريب على الفور. فأنت كرجل (أو أنتِ كفتاة) ستتمكن من التعامل مع الطرف الآخر بسلاسة، بعد دراسة مستفيضة له، وسبر أغوار لشخصيته، بدون ميل إلى حكم مسبق، أو رغبة جامحة في الجلد.

هذا الكتاب أكثر من رائع، أدعوك لقراءته، بل وإضافته إلى مكتبتك، للقيمة الثرية التي يقدمها. كذلك إذا كان لديك كتاب آخر في العلاقات البشرية، تنصحنا بقراءته، فضلاً أضفه إلى هذا الموضوع ليزداد النقاش ثراءً.

والآن، هل سبق وجربت هذه الطريقة من قبل؟ أو حتى بعضًا منها؟ هل سبق وتقمصت شخصية الطرف الآخر، وقمت بالحكم عليه بحيادية بناءً على هذا التقمص؟