للعلم أنا غير مسلم، تحديدًا "لاأدري".

توفي أحد أعمامي، فذهبت البارحة مع الأهل لتغسيله والصلاة عليه ودفنه، ثم حضور العزاء. كان يومًا طويلًا مرهقًا، البكاء والنواح في كل مكان، لكن الغريب في الأمر أنني لم أتأثّر كما تأثّر الأغلبية رغم أن هذه أول مرة أقوم فيها بمراسم الجنازة من أولها لآخرها! نويت من بداية اليوم أن أهتم بكل صغيرة وكبيرة، أدقّ التفاصيل لا أفوّتها، لعل في ذلك موعظةً وعبرة كما ينصح المسلمون.

بعد التغسيل، كنت من أوائل الذين شاركوا في رفع الميت بكفنه ووضعه في التابوت ونقله لسيارة تكريم الإنسان. تفرّقنا في أكثر من سيارة لعددنا الكبير حتى ذهبنا لأداء صلاة الجمعة، وطول الوقت كنت أدعو: "اللهم إن كنت موجودًا فاهدني". توضأت ودخلت المسجد، سمعت الخطبة وصليت الجمعة ثم صلاة الجنازة.

بعد الانتهاء كنت من الأوائل أيضًا في حمل التابوت، وكنت أقول "الله أكبر، إنا لله وإنا إليه راجعون" والعديد من الأذكار كما يقول الجميع. وضعنا الميت في السيارة واتجهنا للمقابر، وعندما وصلنا حملنا التابوت إلى البوابة الخارجية للمقبرة حيث يُمنع دخول النساء بعدها، فقط يُسمح لهم بالتوديع الأخير حينها. وضعنا التابوت على الأرض لدقيقة، وكنت ممسكًا بالتابوت طوال الوقت لأحجز مكاني ضمن القليلين لحضور أهم مشهد في الفيلم كله، مشهد الدفن.

حظيت بفرصة لرفع الميت، وفُتحت البوابة السفلية فخرجت الرائحة بقوة لدرجة أنني كنت سأدوخ بسببها. نزلنا السلّم، وكلما نزلنا كلما زادت الرائحة وضاقت رئتاي وتصبّبت عرقًا. نزلنا أخيرًا، وفُتحت بوابة أخرى بداخلها الجثث، والرائحة أصبحت لا تطاق فعلًا، شعرت بشيء من الاختناق ولكني لم أستسلم، تحمّلت الموقف لأنه فرصة لا تأتي كل يوم.

وضعنا الميت بجانب 3 جثث اصفرّت أكفانهم. لم أرتعب حينها من الجثث بقدر ما ارتعبت بسبب العناكب الكبيرة التي خرجت، والتي كان بعضها بحجم كف اليد تقريبًا o.O ولازلت طوال الوقت أدعو "اللهم إن كنت موجودًا فاهدني". وحتى يمرّ الوقت سريعًا، حاولت التخيّل بأن أحدهم عرض عليّ مليون دولار للبقاء في الداخل وحدي لمدة 5 دقائق، وهل كنت سأقبل بهذا العرض أم لا!

خرجنا أخيرًا، بدأت ألتقط أنفاسي بعد أن كنت على وشك الموت مخنوقًا بالأسفل والرقود كجثة هامدة بجانب الجثث والعناكب المتوحشة. وقفت 10 دقائق أدعو وأقرأ القرآن للميت كما فعل الجميع، ودعوت لنفسي أيضًا بالهداية، ثم ذهبنا لبيت العائلة جميعًا حيث كانت الساعة 2 قبل العصر، وهناك ننتظر حتى الساعة 7 فنخرج للعزاء في دار المناسبات.

بدأت الثرثرة، الكل يتحدث فيما يعلم وما لا يعلم، سياسة ورياضة وفتاوى في الدين، بدأت أشعر بالصداع لأني لا أطيق التجمعات والإزعاج فحاولت النوم قليلًا ولكن لم أستطِع. شعرت برغبة عارمة في إسكات أو ضرب بعضهم وخصوصًا من يفتون في الدين بغير علم، ولكن لا، جلست صامتًا طوال الوقت، لا أريد أن أكشف عن معتقدي أمامهم لكي لا أصبح جثة هامدة. مرّت تلك ال 5 ساعات كـ 5 أيام، خرجنا للعزاء وصلينا العشاء، وقرب منتصف الليل سلّمنا على بعض وتفرّقنا، وانتهى اليوم الشاق بدون استجابة لدعائي مع الأسف.


هل لك تجربة؟ هل أثّرت على إيمانك بشيء؟ وكيف؟