الجزء الثاني: دراسة الماجستير وما بعدها من خيارات

على الرغم من أن تجربتي في دراسة الماجستير في الأردن كانت مميزة وممتعة، إلا أنني اكتشفت في نهايتها أن أمورا كثيرة لم تكن تجري بالشكل المطلوب. سأتطرق بداية لنقطتين بخصوص الدراسة كنت قد سئلت عنهما في المقابلة لكنني لم أذكرهما، وهما تتعلقان بسبب اختياري للتخصص والجامعة التي سأدرس بها. اختياري لجامعة العلوم والتكنولوجيا لم يكن صعبا، لأنها في ذلك الوقت كانت الجامعة الوحيدة التي يمكنك الاعتماد على موقعها الإلكتروني لمعرفة كافة التفاصيل حول التخصص الذي ستدرسه كالخطة والمواد والمتطلبات. تخيل أن الجامعة الأردنية – على عراقتها – ظل موقعها الإلكتروني حتى عام 2008 قديما ومحشوا بالروابط التي لا تعمل والصفحات التي تخلوا من أي معلومة مفيدة! أما التخصص الذي اخترته فكان هندسة البرمجيات، والسبب الدافع وراء ذلك كان تجربتي السلبية للعمل في شركات البرمجة في فلسطين حيث كانت الفوضى تعم هذا المجال؛ فليس لك كموظف أي مسمى محدد حيث تكون تارة مطورا وفي اليوم الذي يليه يطلب منك دعم الزبائن ومن ثم تترك ما بيدك للعمل على مشروع جانبي لمدة يومين لأن المدير مهتم به شخصيا! أما فحص جودة المنتج قبل تسليمه لم يكن شيئا مذكورا في تلك الحقبة! (الحمد لله أنها انتهت وأصبحت الأمور اليوم أفضل بكثير)

عند دراستك للماجستير في الأردن (كذلك في فلسطين، وعلى الأرجح في أغلب البلاد العربية) ستكتشف أنك وقعت في ورطة! فالنظام المتبع يخلط بين النظام الأمريكي المعتمد على التدريس والاختبارات ونظيره الأوروبي المعتمد حصرا على البحث العلمي واستخراج النتائج ونشرها في المجلات والمؤتمرات. المشكلة أنك قد تدرس ثلاث مواد في فصل واحد، وكل مدرس يتوقع منك اجتياز الاختبارات وإنجاز المشروع وأيضا نشر بحث علمي وذلك كله في 4 شهور! كل من يعمل في مجال البحث العلمي يعلم أنه من المستحيل نشر ثلاث أبحاث في مجالات مختلفة في هذا الوقت القصير. كانت هذه بداية الخوض في الطريق الخاطئ؛ فرغم أنني كنت أنجز المشاريع البرمجية وأجتاز الاختبارات بدرجات ممتازة، إلا أن رغبتي في نشر بحث ما لمجرد اجتياز المادة أدت بي وزملائي إلى التعود على نشر أبحاث متدنية المستوى وفي مؤتمرات أو مجلات لا علاقة لها بجودة المحتوى. كل هذه الضغوطات كنت أشعر بها وأنا طالب منحة متفرغ للدراسة، فما ظنك بزملائي من الأردن الذين يعملون في وظائفهم صباحا ويأتون لدراسة الماجستير في فترة بعد الظهر!

تنويه: الفقرة التالية تقنية جدا، إن لم تكن من محبي الحاسب والبرمجة تجاوزها وما يليها من صور وتابع القراءة في الأسفل

لغرض إعطاء فكرة عن مستوى ما كان يطلب منا سأضع هنا صورتين لمشروعين عملت عليهما خلال دراسة الماجستير. الصورة الأولى عبارة عن تطبيق لبروتوكول TCP باستخدام UDP وقمت ببناء برنامج محادثة مثل الماسنجر كمثال حيث يقوم بحفظ الرسائل المرسلة إليك أثناء عدم تواجدك ويعرضها بمجرد دخولك مرة أخرى. أما الصورة الثانية فهي برنامج يحل مشكلة أقصر طريق بين نقطتين مستخدما الخوارزميات الجينية Genetic Algorithms. يمكن أن أضع المشاريع للاطلاع عليها إن كان أحد يرغب بذلك، وكلاهما مكتوب بلغة جافا. المشروع الثالث مثّل تجربة سيئة حيث قام أحد المدرسين بالعمل عليه ونشر ورقة علمية به دون ذكر اسمي مع أن زميلي الذي عمل معه حاول كثيرا وأخبره أنه مشروعي في الأساس. هذا الأخير كان عبارة عن برنامج تنقيب نصوص Text Mining يحاول استخراج الأحاديث النبوية من أي نص مكتوب ويذكر تخريج كل حديث ودرجته، مما يساهم في تنبيه القارء لأي حديث مكذوب أو ضعيف يقوم بنشره على الإنترنت.

استمر بي الحال على هذا المنوال طيلة عامي الدراسة حتى وصلت لمرحلة كتابة الرسالة. وكما كان الحال مع المواد في الفصول السابقة، كانت هذه فرصة ممتازة لاختيارات خاطئة جديدة. أول مشكلة تواجهك هي صعوبة إيجاد مشرف نظرا لعدد المشرفين المنخفض مقارنة بالطلاب، فكان لا بد من أن تلعب العلاقات الشخصية دورا هنا حيث قررت العمل مع الدكتور الذي تربطني به علاقة وثيقة من خلال أكثر من مادة درسني إياها. وهنا برزت مشكلتان لم أدركهما إلا متأخرا: أولاها أن تخصصه الدقيق بعيد عن موضوع الرسالة التي اخترتها بالتالي كان من الصعب الخروج ببحث ذو جودة تنشر في مجلة مرموقة وتقربني خطوة من إكمال الدكتوراة في ذات المجال. المشكلة الأخرى تتعلق بإكمال الدراسة في ألمانيا تحديدا، حيث لم أدرك حينها كم من المعاناة كنت لأختصر على نفسي لو عثرت على مشرف متخرج من جامعة ألمانية، الأمر الذي كان سيضمن لي قبولا مباشرا للدكتوراة من مشرف مشرفي السابق في ألمانيا – حيث تلعب العلاقات الشخصية في هذا الموضوع دورا لا يستهان به كما رأيت مع عدد الزملاء (كالعادة بعد فوات الأوان).

بينما كنت في المرحلة النهائية من دراسة الماجستير بدأت رحلة البحث عن منحة للدكتوراة، حصلت على عدة فرص من جامعات أوروبية في إيطاليا وبولندا وذلك عن طريق منحة Erasmus Mundus، إلا أن المبلغ لم يكن مغريا حيث كان من المحتمل جدا أن أضطر للاستدانة فوقه لتغطية مصاريفي أو محاولة البحث عن عمل ممول خلال الدراسة. لذلك قررت العودة إلى فلسطين وبدأت بعدها البحث عن رسالة قبول من مشرف في جامعة ألمانية حتى أتمكن من التقديم لمنحة DAAD مرة أخرى. سأتحدث في الجزء القادم عن هذه التجربة إن شاء الله وكيف كدت أن أخسر المنحة نهائيا لولا مصادفة غريبة.