كنتُ أنتظرها كلّ ليلةٍ قرب النافذة المطلة على الطريق، كم كانت جميلة، كانت تعود متأخرةً إلى بيتها، وحيدة، وكانت ثيابها ممزقة، وكنت كل يوم أراقبها وأسمع ”طرطقة“ كعبها.. ”هند“ جارتنا، كانت موضوع أحاديث جيراننا اليومية.. لم أكن أراها في النهار وكان الجميع يتجنبها، لم أكن أفهم السبب.

مرت الأيام وأنا أراقبها وأراها تصبح هزيلة أكثر فأكثر.. كنت أسأل أهلي عنها وكانوا يقولون لي الجواب نفسه كلّ مرة ”هيدي وحدة مش منيحة أوعى تحكي معا..“ مما زاد من فضولي أكثر!

ففي يوم من الأيام، كنت قد حضرت نفسي لأقول لها ”مرحبا“.. انتظرتها كالعادة قرب النافذة، حتى سمعت صوت كعبها من بعيد وتوترت كثيراً، نزلت بسرعة إلى الطريق واقتربت منها ببطء، وبصوتٍ منخفض قلت لها ”مرحبا كيفك“، اقتربت منها ورأيت الكدمات تغطي يديها الصغيرتين ووجهها، رأيت آثار الإبر على ذراعيها، كم كانت ضعيفة…

نظرت إلي وضحكت ضحكة صغيرة وقالت ”مرحبا يا زغيرة“، ربتت على كتفي وصعدت إلى بيتها، وبقيت أراقبها حتى اختفت، لاحقاً فهمت لم يتجنبونها، هند كانت كما يقولون ”مومساً“ تتعاطى المخدرات. مرت الأيام وبقيت على الحال نفسه أنتظرها لألقي عليها التحية، وفي كل مرة كنت أراها حزينةً أكثر وأكثر وأرى الكدمات تزيد وتزيد، ولكنها ظلت تضحك لي وتربت على كتفي.. وذات ليلةٍ تأخرت فانتظرتها وانتظرتها ولم تأت، بقيت أنتظرها في الأيام اللاحقة ولكنها لم تظهر أبداً، اختفت وكأنها لم تكن…!

ماتت وتحطم معها مقر العاطفة في قلبي الصغير :)