منذ أن أغلقت حسابي على فيس بوك منذ قرابة شهرين، وأنا أفكر كيف سأشرح الدوافع التي جعلتني أتّخذ هذا القرار، لأنني أريد أن أساعد المتردّدين في اتخاذ قرار كهذا وعليّ أن أكون واضحًا ومفصّلاً. هناك الكثير من الأشياء التي قد تُعجبك في فيس بوك، فهو بالأساس مُلتقى للعائلة (خصوصًا للمغتربين) ومصدر للأخبار ومكان لمناقشة الأمور الدراسية مع زملائك ومراسلة أصدقائك وإنجاز بعض الأعمال الجادّة ويمكنه كذلك أن يُساعدك في “قتل الوقت“.

الإدمان

أعرف أنه لا يمكن للكيمياء تفسير كل الدوافع النفسية للإنسان، لكنني على الأقل أصدّق أن شعور السعادة يترافق مع إفراز مادة الدوبامين بأمر من الدماغ، وهي المادة ذاتها المسؤولة عن “شعور المكافأة” بعدد الإعجابات التي نالتها تلك الصورة التي نشرتها على فيس بوك. إفراز الدوبامين يدفع إلى الحاجة للمزيد منه، في الوقت ذاته ترتفع العتبة اللازمة لإحداث شعور الابتهاج مع التعرض لنفس المُثير، بكلمات أبسط: يصبح الإنسان مُدمنًا، ويحتاج دومًا إلى جرعة إضافية لتُعيد له شعور السعادة. إدمان فيس بوك لا يختلف من ناحية المبدأ عن إدمان المخدرات أو أي عادة أخرى؛ يكون في البداية أمرًا نفعله بكامل وعينا، ثم يصبح أمرًا خارجًا عن السيطرة.

كم مرة وجدت نفسك تفتح صفحة فيس بوك في المتصفح بشكل روتيني دون انتباه؟ هل لاحظت أن هذه العادة تتكرر بتواتر أكبر عند شعورك باليأس أو بالفراغ؟

مع الوقت ستصبح كل انفعالاتك ومشاعرك ودوافعك متمحورة حول “كيف أحصل على إعجابات أكثر؟” لاستعادة هذا الشعور؛ الأسوأ أن هذا يحدث بلا وعيٍ منك إلى أن تقرّر أن تفعل شيئًا ما وتبدأ بمراقبة نفسك.

الخصوصية

وهي واحدة من أكثر الأشياء التي أصبحت مؤخرًا أوليها اهتمامًا، خاصّة بعد انتقالي الكامل إلى Linux؛ فالبرامج الحرّة والخصوصية أمران مرتبطان بشدّة، فالحرص على الخصوصية ساهم في نشأة حركة البرامج الحرّة، والانتقال إلى استعمال نظام حرّ ويحمي خصوصيّتي ثم الاستمرار في الاعتماد على خدمة تنمو وتتغذّى على بيانات مستخدميها وتحوّلها إلى مُدخلات في آلات توليد الإعلانات أمران لا يتفقان. هاك الصفقة التي تعقدها مع فيس بوك ضمنيًّا عندما تبدأ باستخدامه:

من حقنا أن نسرق بيانات، ونستخدمها لتوجيه الإعلانات نحوك، وإعطاءها للحكومة الأمريكية عندما تطلب ذلك، ومن حقنا أن نعاملك كفأر تجارب لنجري عليك اختبارات نفسية بدعوى البحث العلمي، ومن حقنا أن نفعل أي شيء لم نذكره هنا وقد نحتاج لفعله يومًا بأن نغيّر اتفاقية الاستخدام متى شئنا… آه… تسأل عن حقوقك؟ ببساطة فيس بوك مجاني!

وكلّنا نعلم أن “مجاني” هنا (وفي أغلب خدمات الشركات العملاقة على الوِب) تعني أنك أنت السّلعة!

المشكلة أن أكثر الناس الذين أعرفهم في حياتي الواقعية، لا يُعيرون اهتمامًا لخصوصيتهم على الويب، ببساطة لأنهم لا يستطيعون إدراك مفهوم البيانات الرقمية ويعتقدون أنها شيء منعزل لا يستطيع التأثير في حياتهم الحقيقيّة (المُضحك المبكي أن البيانات هي بالضبط ما تسعى وكالات الاستخبارات حول العالم لجمعه)، يفعلون ما يشاءون على الويب وينشرون كل تفاصيل حياتهم لأنهم مطمئنون إلى أن الوِب ليس شيئًا ملموسًا، ويبدو أن على الأشياء الخطرة أن تكون مادّيّة وملموسة قبل أن تستطيع إقناعك بأنها خطرة. هل يمكن لإنسان أن ينشر ما يأكل وما يشرب ومتى يخرج من بيته وماذا يحب وماذا يكره وماذا يفعل كل بضع ساعات على الملأ؟ سيقول لك شخص ما أن هناك خيارات خصوصيّة لا تسمح للآخرين بالاطلاع على هذه التفاصيل، وبهذا يمكنك مشاركة المحتوى المناسب مع مجموعة الأشخاص المناسبة، المعرفة البسيطة حول كيف تعمل خدمات الوِب وكيف تخزن هذه المنشورات في قواعد بيانات تجعلك أي شخص يدرك أن خيارات الخصوصية ليست سوى بضع عشرات من السطور البرمجية التي تُنشئ حاجزًا وهميًّا بين المُشاهد والمنشور، أما المنشورات فيمكن الوصول إليها عبر طلب مباشر من قواعد البيانات دون الحاجة للمرور بطبقة الخصوصية تلك، أعني أنك تخفي عن بعض أصدقائك منشورات معينة، لكنها مرئية بسهولة لمن يستطيع الوصول إلى قواعد البيانات، بما فيها الحكومات (وهذا لم يعد سرًّا) والموظفين (وهذا حدث مع Google) وربما مجموعات من المخترقين الذين لا تعرف أين هم أو من هم.

إليك الملخص: خيارات الخصوصية تدفعك لمشاركة المزيد من المعلومات عن نفسك وعن حياتك التي ربما لم تكن لتشاركها قبل أن تتوفّر هذه الخيارات.

السبب الآول في تركيَ لفيس بوك .. هذه

ليس لدي تعليق ^^"