وددت أن أشارككم بقصة من كتاباتي و سأكون ممتنة لأي شخص أدلى برأيه لأنه بذلك سأرتقي بأسلوبي..

  • غريب في موطنه

لم تعد نظرتي للعالم كما كانت ، منذ أن سقطت دموع القهر من عيناي لتعلن مصرع الطفل البريء الذي بداخلي و مولد رجل همام كله عزم للانتقام لمقتل والديه...

قصتي لا تختلف كثيرا عن قصص غيري من الأطفال. ولدت مفزوعا من صوت القنابل ، و تجرعت لبن شجن أمي على فراق والدي الشهيد ، و كنت شاهدا على دموع الحزن و القهر في عينيها ، كما ترعرعت في تراب وطن محتل من طرف كيان يفتقر للرحمة و مجرد من كل انتماء أو هوية ،...حلمي هو حقيبة مدرسة، لعب و سماء بلا طائرات حربية ، و شوارع دون دبابات أو بقايا حطام منازل دمرت و استشهد أصحابها.

ضجيج ، عويل و انفجارات صار أمرا شبه يوميا و معتادا عليه ،رغم ذلك كانت أمي تمسك بيدي بقوة كل صباح قاصدين لقمة خبز مجهولة ، لكن ذلك الصباح لم يكن كأي صباح انه كابوس أعيشه على أرض الواقع ، ذلك الجندي ، ملامحه كانت توحي بأنه أربعيني ، طويل القامة ، مكتنز الجسد، ذو شارب خفيف و لحية،...فجأة فجر ذلك الجندي رأس أمي برصاصته لتؤدي ثمن جرأة أبي الذي دفع دمه في سبيل تراب بلاده المحتلة .لا أملك تلك الشجاعة الكافية لأتذكر صورة أمي الملقاة على حافة الطريق جثة هامدة، جامدة الحركة، و أنا واقف متصلب لا حول لي و لا قوة، أنظر متمنيا حركتها و نهوضها ليصعد النفس إلي من جديد إلا ان انتظاري هذا بدا لي طويلا...كنت دائما أخشى فقدانها، أما ألان فقد صار لزاما علي أن أتخيل ذلك بل و أصدق الأمر و أتعايش معه. حسرة تقبض قلبي و تخيم عليه، ذلك الحضن الدافئ الذي كنت أهرع إليه عقب ذوي الرصاص لتتلو علي كلمات كانت تنسيني مرارة الحياة بما فيها، و كان من الصعب بداية أن أقتنع بهذه الحقيقة التي تحتم علي أن أستوعبها . ما يحزنني أكثر هو استمتاعهم ببتر أرواح الأبرياء دون رحمة ، لقد تهت وسط أرضي و مكان نشأتي ، أصبحت كالمتشرد دون مأوى يحتويني ، أو عائلة تحميني ، سلاحي الحجارة التي أقذفها في وجه العدو..

عجبي لكم و أين محل القلوب من صدوركم ؟

و أين هي الرحمة من طباعكم ؟

و أين هو المنطق من عقولكم ؟

ثقافتي ثقافة صمت لكن الصمت لن يدوم ، لأن حبوب كل سنبلة تجف ، ستملأ الوادي سنابل ، هنيئا لكم تستحقون وسام التكريم لبراعتكم و هنيئا لي لأني سوف ألقاكم يوم الحساب يوم ألتقي بوالداي و أصحابي وكل الشهداء ، و يوم أفرغ في وجوهكم كل ما أحتويه من أسئلة و عتاب و لوم ، و اعلموا أنكم بعذاب الله أنتم لستم بناجين ,

رحمكما الله : أمي و أبي ورحم كل شهداء فلسطين الذين قدموا أرواحهم و دمائهم فداء للحق و للعدالة ، ودفاعا عن الكرامة أو ما تبقى من كرامة هده الأمة .