هناك من الناس من يجادل لأنه يرغب بالوصول إلى الحق , وهناك صنف من الناس يجادل لا لشيء إلا للجدال ذاته ,ربما لإثبات تفوقه وقوة حجته , ربما يرى نفسه ذا منزلة علمية واجتماعية رفيعة تتطلب ألا يخطأ -وهذا محال قطعًا- فيضطر ليسلك مسلك الجدال ليثبت للآخر -ولو زورًا - أنه مصيب !

قبل أشهر ,وفي إحدى مجموعات الواتس أب , كان هناك نقاش بين أفراد المجموعة حول موضوع تخصصي معين وطُرح سؤال يحتمل اجابتين وانقسم المشاركون إلى فريقين كل منهما يؤيد إحدى الإجابتين ,وأخذ كل من أفراد الفريقين يدلي برأيه حسب علمه وخبرته , وانحصر النقاش في النهاية بين اثنين كنت أحدهما , أما الآخر فكان يضع حرف (الدال) قبل اسمه معه أنه لم يصل بعد لتلك الدرجة وإن كان في الطريق إليها , لا يهم, وللعلم , فلست من محبي الجدال نهائيًا ولا أحب الخوض في النقاشات الطويلة التي لا طائل منها فإما أن أحسن الظن بمحاوري وأقول: لعله أكثر مني علمًا , أو أجد أن الموضوع لا يستحق الجدال فأصمت رغم يقيني بأني على حق , ولكن هذا الموضوع كان مختلفًا فأنا واثق من كلامي إضافة إلى أن الفكرة الخاطئة التي يتبانها الطرف الآخر هي فكرة سائدة في وسطنا وكثير من الناس يعتقدون بصوابها لذلك أحببت تبيان الحقيقة للناس وليس انتصارًا لرأي الشخصي.

ختم الدكتور الحوار بطرحه مبررات تؤيد رأيه ثم قال: هذا هو الرأي الصحيح ومن لا يصدق فليرجع لأمهات الكتب !

كان الوقت متأخرًا حينها وفي صباح اليوم التالي توجهت لبعض من أمهات الكتب حسب تعبير صاحبنا وقمت بتصوير الصفحات التي تتحدث عن موضوع نقاشنا ثم عرضت الصور في المجموعة مع ترجمتي لها بالعربية لأن النص الأصلي كان بالإنجليزية وأغلب أعضاء المجموعة لا يجيدونها, وما هي إلا ثوان حتى رأيت صاحبنا يقفز قائلًا : الترجمة غير دقيقة !

صعقت وذهلت لأول وهلة وظننت أني أخطأت بالترجمة لذلك قمت بمراجعتها أكثر من مرة , ثم أدركت أن المدة الزمنية بين إرسالي للصور وتلقي الرد من الدكتور غير كافية أبدًا ليقرأ النص الأصلي ثم يقرأ ترجمته ثم يقارن بينهما خصوصًا أن النص الأصلي كان بضعة أسطر من صفحة طويلة صورت بأكملها وتحتاج قراءة متأنية للوصول إلى النقاط محور الحديث ,أضف إلى ذلك أنها ليست صورة واحدة بل صورتين من كتابين مختلفين وترجمتين مستقلتين , إذًا متى امتلك الدكتور الوقت الكافي ليقرأ ويستوعب ويقارن ثم يدلي برأيه ؟!

ثم تذكرت أمرًا آخر , هذا الرجل أصلًا لا يجيد الإنجليزية -ولست أنتقص منه هنا- وليست لديه القدرة أصلًا على قراءة النص الأصلي وفهم ما جاء فيه ,فكيف أصبحت ترجمتي غير دقيقة !

أتبع الدكتور حديثه بقوله : أنصحكم بالابتعاد عن الكتب المترجمة فهي سبب المشاكل!

  • ولكن أنا من ترجم هذه الصفحات من نسخها الأصلية التي لدي !

-فليكن , هذه مجرد كتب تعبر عن آراء أصحابها!

  • ولكن كُتاب هذه الكتب خبراء وأساتذة في مجالهم ولهم فيها باع طويل !

-تبقى كتبًا تعبر عن أراء أصحابها وإذا أردت الرأي الصحيح فخذ بما أقوله لك صدقني ...

هممت بالرد عليه مذكرًا إياه بأنه من طالبنا بالرجوع لأمهات الكتب ,لولا أن قطع علينا الجدال أحد الأعضاء بنية إيقاف الجدال المحتدم قائلًا بأن استدلالي بالكتب كافيًا وبهذا ننهي نقاشنا.

أدركت بعدها طبيعة هذا الشخص وأن الجدال معه لن يؤدي إلى نتيجة مرضية , لا لشيء إلا لأنه يجادل ليثبت أنه على حق , لا ليتبين له الحق !

امتنعت من يومها عن المشاركة في أي حوار يكون دكتور المستقبل هذا طرفًا فيه وأكون أنا في الطرف المقابل له .

الدرس الذي تعلمته هو : إن اضطررت يومًا لمجادلة مثل هذا فقل ما عندك وأبرز حججك بثقة ووضوح ثم انسحب بهدوء من النقاش وأنت مطمأن البال فالناس لها عقول تفكر وتميز بها بين الصواب والخطأ ,والحجج والبراهين المثبتة والموثقة سترجح كفتك وبها يميز الناس العالم من مدعي العلم .

______________

المشكلة أنني دخلت اليوم معه في نقاش آخر حول موضوع شرعي ,لازال نفس الشخص , يجادل بنفس الطريقة ,لا يقيم وزنًا لأي نص أو دليل ثابت ,لا لشيء إلا لأنه يخالف فكرته , وطبعًا كالعادة دون الاستناد إلى أي دليل وإنما هو الهوى والآراء الشخصية.