السلام عليكم ..

أدعوكم بدايةً للاستمتاع بهذه المقطوعة أثناء قراءتكم ..

.

قبل سنة ونصف تقريباً توفّيَ والدي ، وتركني وحيداً مع أمي وشقيقتاي وأخ هاجر بعد فترة .. كنت طالِب جامعي ليست لدي أدنى مسؤولية وكنت غير مبالي بطريقة بشعة ..

توفّي والدي وفجأة حملت المسؤولية واضطررتُ بحكم الظروف أن أعمل .. كنت في السابق أؤجّل كل شيء ، دراسة فيلم مسلسل محاضرات رؤية أصدقاء وزيارة أقارب أشياء مهمة وغير مهمة ، كل شيء كنت أؤجّله بحكم أنه كان لدي فراغ كبير في الوقت ويمكنني متى ما أردت أن أفعله ..

بعد أن بدأتُ العمل ، صرتُ أتمنى ساعة واحدة فقط لكي أعمل ما يُعجبني ، فما بين ضغوطات العمل وضغوطات الدراسة وضغوطات الأهل والضغوطات الاجتماعية ، يضيع وقتي بالكامل وما بلاقي وقت أحك فيه شعر راسي -مثل ما يُقال بالسوري- ..

طبعاً دخلت للعمل وأنا كاره له جداً (تجربتي مع العمل وكيف كان كُرهي له وكيف تحول هذا الكره لحب وإدمان ربما أحكيها في وقت لاحق) .. وصلت لمرحلة من البؤس واليأس لدرجة التفكير الفعلي بالإنتحار .. كنت أستيقظ من 6 صباحاً ولا أعود حتّى الـ7 مساءً .. كُلّ يوم ، ومع شوارع الرياض المزدحمة والحارّة ، يعني كانت حياة بائسة بمعنى الكلمة .. أستيقظ بتأفف وأعود للبيت بتأفف .. إلى أن جاء الوقت الذي صفعني أخي فيه صفعة قوية .. صار يقول لي إلى متى هذه السلبيّة ، طالما أنت سلبي فمستحيل أن تعيش ، إما أن تُغيّر نظرتك للعالم أو تموت ولا احد سيبكي عليك ..

بعدها بدأت فعليّاً بالتفكير في تغيير نمط حياتي ..

طبيعة شوارع الرياض المزدحمة تجعل الشخص يخرج قبل ساعة على الأقل ليصل إلى مكان عمله .. وطبيعة عملي الذي يُجبرني على القيادة لأكثر من 3 ساعات يوميّاً مُتنقّلاً بين موقع وآخر .. بداية الأمر صرت أحسبها أن هُناك 3 ساعات على الأقل تضيع من حياتي يومياً هباءً (هذا كان قبل 11 شهر تقريباً) ..

في الحقيقة هي ليست 3 ساعات .. الأسبوع الماضي قررت فعل شيء خاطر على بالي منذ زمن ..

بداية اليوم وأنا في المنزل شغّلت الـ GPS حتّى أجعل جوجل Maps يتتبع تحركاتي .. لأني كنت أريد معرفة عدد الكيلومترات والوقت الذي أقضيه بالسيارة يومياً ..

والنتائج كما ما تظهر في الصورة .. 180 كم بزمن 8 ساعات ..

.

لنفرض أنه في ذاك اليوم كنت مضغوط بالعمل .. وأنه متوسط قيادتي 5 ساعات يومياً .. يعني أسبوعياً 25 ساعة -دون حساب الجمعة والسبت- .. 25 ساعة ضايعة من حياتي أسبوعياً أكون فقط قاعد فيها بالسيارة .. متخيلين الأشياء العظيمة اللي ممكن الشخص يعملها خلال هذه المدة ؟

حاول تستغل كل دقيقة من عمرك بشيء مفيد .. أفضل شيء ممكن تعمله في الحالة هذه أنك تشغّل حاسة السمع عندك بأعلا كفاءتها ..

تقدر خلال أسبوع من السواقة تنهي ختمة قرٱنية على الأقل ..

خلال أسبوع من السواقة تستمتع بأكتر من 15 فيلم ، مسلسل سوري/مصري كامل ، عدة مواسم من مسلسلات أمريكية ..

تقدر بـ25 ساعة ، الاستماع لسلسلة محاضرات علمية ، مثل سلسلة نظرية التطور وسلسلة الإلحاد وميكانيكا الكم لعدنان ابراهيم ، أو تستمع لمناظرات أحمد ديدات والحبيب الجفري .. تقدر كمان تستمع للقصص التاريخية مع طارق سويدان او راغب السرجاني ..

خلال أسبوع واحد مع 25 ساعة فضاوة .. تقدر تحمل تطبيق "اقرأ لي" وتستمع للكتب والمقالات .. فضلا عن انه أغلب الكتب الإنجليزية متوفرة على اليوتيوب ..

وفي الثقافة العامة والعلمية تستطيع مشاهدة وثائقيات الجزيرة أو ناشيونال جيوغرافيك أو ديسكفري أو بي بي سي ..

خلال هذا الوقت أيضاً ، تقدر تتعلم مهارة جديدة من الصفر ، مثل أن تتعلم لغة جديدة أو تُنهي كورس كامل بتخصصك بالجامعة ..

واذا كنت تكره أم كلثوم لأن أغانيها طويلة ، فهذا أنسب مكان لتسمعها وتحفظ الأغاني كمان .. تستطيع أن تُسافر بجولة حول العالم لتسمع أغانيهم وتتعرف على ثقافاتهم ..

.

باختصار ، الوقت اللي تقضيه بالسيارة وقت ثمين جداً ما لازم يضيع منك أبداً .. وهذا بالضبط ما فعلته طيلة السنة الماضية ، حوّلت ألم القيادة الطويلة للسيارة إلى لذّة القيادة الطويلة .. أغلب إنتاجات السنة من الأفلام شاهدتها ، ناركوس ومستر روبورت وسترينجر ثينغز وجيم أوف ثرونز جميعها أنهينتها بالسيارة ، 4 مسلسلات سوريّة ، سلسلة الكون وسلسلة ألعاب العقل ، سلسلة محاضرات مطرقة البرهان وزجاج الإلحاد ، المحاضرات التاريخية لطارق سويدان ، أكثر من 5 كتب أنهيت استماعها في تطبيق "اقرأ لي" .. كُل هذا -وأكثر- شاهدته واستمعت إليه وأنا في السيارة ..

وبهذه الطريقة تكون إنسان شامل .. أي موضوع يُحكى به أمامك يكون لديك خلفية بسيطة عنه .. هذا الأمر يجعل أصدقاءك والناس من حولك يستغربوا من كمية وغزارة المعلومات اللي تملكها .. وتجعلهم يسألوك أسئلة بجدية تامة من نوع "انت كيف لاحق على كل شيء ؟ أنت متأكد أن يومك 24 ساعة ؟" ..

.

أخيراً ، وصلتُ لقناعتين اثنتين :

  • أنت غير محدود أيها الإنسان ..

  • كلما انضغطت أكثر بالحياة ، ستُنظّم وقتك أكثر ، فبالتالي ستستطيع فعل أي شيء تريده ..