كل منا لديه ما يخيفه في هذه الحياة، بغض النظر عن أسباب الخوف لكنه موجود لدينا جميعًا، وبشكل مختلف وبدرجات متفاوتة، بالنسبة لي معظم الأمور التي أخاف منها، مرتبطة بذكريات أليمة وموجعة، مجرد تذكرها فقط يصيبني بالقلق والرعب، أحد هذه الاشياء؛ البحر .. كل مصدر ماء هو مصدر رعب ووجع بالنسبة لي ..

منذ عام أو أكثر أخبرني صديق بأنه لكي ننتصر على الخوف، لابد من مواجهته بشجاعة، حينها سيتضاءل كثيرًا ويفقد الكثير من قوته، قال لي بالحرف : " علينا التحديق في بئر الخوف والقفز بداخله."

واجهت بعدها مواقف كثيرة شعرت بالخوف منها، وكانت دائمًا كلماته تترد في أذني، حتى فترة قريبة سافرت لإحدى المدن الساحلية في بلدي، وبعد قطيعة إمتدت لأعوام مع كل مصادر المياه، ها أنا بمواجهة البحر وجهًا لوجه، ها هو أمامي ممتد كمسخ ضخم، يبتسم في وجوهنا ليعود يبتلعنا بلا مقدمات وبلا ذنب، في الأيام الأولى كنت أشعر بالحزن والخوف كلما لامست المياه قدمي على الشاطيء، كنت أتراجع ..

ثم قفزت في ذهني مقولة صديقي هذه " القفز في بئر الخوف" ، قلت حسنًا جاء وقتها، لأقفز داخل بئر خوفي لأحرر نفسي منه للأبد ..

وبالفعل قررت بدءًا من اليوم التالي الإندماج مع هذا المسخ، وبالتدريج بدأت في مواجهة المياه التي تلامس قدمي على الشاطيء، إلى أن وصلت لعمق البحر، حيث لا شاطيء .. البحر يحيط بي من كل إتجاه، لا أعلم كيف فعلت هذا .. لا أصدق حتى أني فعلت، طلبت من سائق المركب التوقف للقفز في مكان لا قفز فيه، شعرت بأن بئر خوفي يناديني، هذا هو بئر خوفي لأحدق به إذن، لأقفز بداخله وأتخلص من قيده للأبد ..

وبالفعل قفزت .. كدت أموت حرفيًا .. كل سنتيمتر في جسدي كان يرتعش، واجهت خوفي بالأسفل، رأيته هو يحدق بي ويضحك، ثم صعدت على سطح المياه لم أستطع التنفس لدقائق، الأشخاص الذي كانوا معي بدأوا بالصراخ، لكني عدت أتنفس من جديد وصعدت على المركب وأنا أشعر بأني انتصرت، صحيح كنت سأفقد حياتي لكني واجهته نوعًا ما ، جلست لدقائق وبداخلي أقول لنفسي بأنه لا بأس المواجهة الأولى دائمًا صعبة، ثمة مواجهات أخرى قادمة ..

وبالفعل كررت القفزة ذاتها مرتين غير هذه المرة .. أول مرة كانت شبيهة بالقفزة السابقة، لكن جسدي وصل لمسافة أعمق .. رأيت خوفي في الأسفل .. رأيت خوفي الكبير الذي رافقني لسنوات، لكني استعدت قواي أسرع، وبمجرد ان طفا جسدي على سطح المياه، عدت أتنفس أسرع ..

في المرة الثانية والأخيرة كان الإستعداد أفضل، راهنت نفسي ليس على القفز فقط، بل الإستمتاع أيضًا وجسدي يسقط داخل البئر، وعندما ألمح خوفي في الأسفلن أحدق أنا به هذه المرة وأضحك، وبالفعل هذا ما حدث .. قفزت لمسافة أعمق وعندما صعدت على سطح المياه كنت أضحك .. هذه المرة انتصرت بالفعل، هذه المرة لم أكن خائفة أبدًا ..

خرجت من المياه بشعور جديد، أقسم أن خوفي تبدد تلاشى تمامًا، وحل محله شعور آخر لا أعرف كيف أصفه، هو مزيج من إحتقار وشعور بالقرف، وتحولت نظرة الخوف تلك إلى نظرة دونية .. نظرة لا مبالاة ..

كانت هذه من أفضل التجارب التي مررت بها، لا تتخيل كم رائع هذا الشعور، أن تنتصر على نفسك على مخاوفك، أن تحدق في بئر الخوف وتقفز بشجاعة ولامبالاة، والأهم منذ هذه التجربة عاهدت نفسي بأن أقفز داخل كل بئر وأحدق به، إلى أن أحرر نفسي من كل مخاوفي ..

وأنت ؟ هل جربت أن تواجه خوفك من قبل ؟ شاركنا تجربتك ..