في قريةٍ هادئة، حيث يعرف الجميع بعضهم بعضًا، كان دكان الحلاق ملاذًا للرجال يقضون فيه وقتًا بين القصة والأخبار. في يوم شتوي عاصف، دخل زبون إلى الدكان، حاملاً معه برودة الطقس ورغبة في إعادة هندمة شعره.
ما إن جلس على الكرسي وبدأ المقص يقص أول خصلة، حتى انطلقت من جوف الزبون "نسمة" صامتة حاملة عبقًا لم تعهده المحل من قبل! حاول الحلاق - رجل فيه دعابة وصبر - تجاهل الأمر، لكن "النسمة" تكررت كل دقيقة أو أقل، لتصبح معزوفة متصلة الحلقات.
بين قطعة وأخرى من الشعر، كان الحلاق يوقف عمله، يفتح الباب على مصراعيه، يملأ رئتيه بهواء الشتاء النقي، ثم يعود وكأنه يستجمع شجاعة لإكمال المهمة. بعد عدة مرات من هذا الروتين، سأله الزبون بمكر بريء: "شو كيف الطقس برا؟ لسه شتا؟".
لم يتمالك الحلاق نفسه، فأجاب بفكاهة الجرحى: "والله يا غالي، الطقس برا شتا... ولكن إذا ضل الوضع هيك، رح تشتي خرا!". انفجر الاثنان في ضحك، واعترف الزبون بـ "المعذرة الصحية"، بينما استمرت الحلاقة في جو من المرح، والباب مفتوحًا تحسبًا لأي تغير في الأحوال الجوية الداخلية!
نظرية الغاز في فصل الرياضيات!
لا تختلف القصة كثيرًا عندما ننتقل إلى فصل دراسي مكتظ بالتلاميذ. في حصة الرياضيات، حيث يكون الجو دافئًا والتركيز عاليًا، انطلقت من أحد المقاعد الخلفية "طلقة" صامتة لكنها مكثفة، اخترقت صمت الفصل وكادت تكسر حاجز التركيز.
تكرر الحدث كل بضع دقائق، حتى بدأ التلاميذ في الأمام يختنقون بضحكات مكبوتة، بينما تبادل من في الخلف نظرات معبرة. الأستاذ، رجل طيب وحاد الشم، حاول تجاهل الأمر ظنًا منه أنه عابر.
لكن بعد عدة "هبّات"، لم يعد قادرًا على التحمل. توقف عن شرح نظرية فيثاغورس، نظر إلى التلاميذ بحيرة وقال وهو يفتح نافذة الفصل: "يا جماعة، إحنا بنشرح نظرية فيثاغورس... مو نظرية الغاز والانبعاثات! إذا الوضع استمر هيك، رح نضطر نعمل امتحانًا خارجيًا علشان نتنفس!".
انفجر الفصل بالضحك، بينما اختبأ صاحب "الطقس الخاص" وراء كتابه، مبتسمًا ابتسامة خجولة وكأنه يقول دون حروف: "النظرية إثبتت نفسها عمليًا!".
ظاهرة عالمية!
هكذا هي الحياة في الأماكن المغلقة؛ تُنتج لنا قصصًا لا تُنسى، تتحول مع الأيام إلى نوادر تروى على مواقد السمر. سواء في دكان الحلاق أو فصل الدراسة، تبقى هذه المواقف تذكرةً بأن البشر يتشابهون في أغلب أحوالهم، وأن الدعابة هي أقصر طريق لتجاوز الإحراج، بل وتحويله إلى ذكرى ضاحكة!