تجربتي كانت كتجربة معظم الشباب السوري من 2011 حتى هذا الوقت ( سيطرة القبضة الأمنية ).

في يوم 5 أكتوبر/2011 وأثناء توجهي لصلاة الجمعة مع صديق لي و أحد الشباب من معارفي عمره 16 عام وقتها، في الطريق اعترضتنا دورية من أمن النظام السوري مكونة من 9 سيارات حيث كانت هذه الدوريات تتجول وتنتشر في أماكن تواجد المساجد في مدينتي لمنع خروج المظاهرات وقمعها بالقوة والإعتقال التعسفي إن خرجت.

في طريقنا لأحد المساجد في المدينة لأداء الصلاة اعترضتنا الدورية وكان معهم معاون رئيس فرع الأمن السياسي في المدينة وقتها قامو بإيقافنا أنا والشاب الصغير وصديقي استطاع أن يباغتهم ويمر من جانبهم دون أن ينتبهوا له.

أخذو هوياتنا الشخصية وقاموا بتفتيشنا للبحث إن كان معنا أي شيء من الأدوات التي كانت تستخدم في المظاهرات (أقنعة - أعلام كاميرا ...الخ) ثم بدأو بمحاولة تقييدنا حتى يقوموا باعتقالنا، قام الشاب الصغير بمحاولة الهرب منهم فانهالوا عليه بالضرب، وقام ثلاثة عناصر بمسكي وسند وجهي على إحدى سياراتهم لتقييد يدي وراء ظهري، عندما رأيتهم قد قامو بضرب الشاب ركضت باتجاهه مفلتاً من العناصر الذين يمسكون بي ودفع العناصر الذين كانو يقفون بيني وبين الشاب في محاولة مني للهرب وإنقاذ الشاب أو إنقاذ الشاب فقط، عند ركضي تلقيت لكمة جانبية على عيني من معاون رئيس الأمن أدت إلى اصطدامي بالسيارة فقام أحد العناصر قصيري القامة بالتعلق برقبتي وإرغامي على الإنحناء ومنعي من محاولة الهرب ثانيةً وانهال الباقي علي بالضرب بأيديهم وأرجلهم، فقام المعاون بالصراخ بهم وقال لهم باللهجمة العامية العلوية (وقفوا لاحدا يضربو) مع أنه كان يضربني بحذاء العسكري المؤطر بالحديد على ركبي وهو يوجه لهم التنبيه بعدم ضربي :) .

بعد تقييدنا قاموا بوضعنا في سيارة جيب وأكملو دوريتهم على باقي المساجد مع توجيه الضربات واللكمات لنا كامل الطريق، ثم ذهبوا بنا إلى مديرية المنطقة قاموا بوضعنا في القبو الخاص بالمديرية المجهز للإعتقالات الجنائية والمؤقتة وقام بأخذ كل حاجياتنا من موبايلات ومفاتيح وأربطة الأحذية وأحزمة البناطيل والنقود مع توجيه بعض الضربات أثناء الأمر.

بعدها قامو بالذهاب ليكملو مهمتهم في الدوريات وحصار المساجد وتركونا كل شخص في زنزانة لوحده وبدأت الدقائق تمر كالساعات بدون معرفة للوقت أو أي شيء، بعد عدة ساعاة قمت بنداء أحد موظفي إدارة المنطقة عندما مر بالقرب من الزنزانة التي كنت بها وطلبت منه الإتصال بأهلي ليخبرهم أين أنا، فقال به لا داعي وستخرجون في المساء.

كان تقريباً أطول نهار يمر علي، في الثامنة مساءً تقريباً من نفس اليوم عاد العناصر لمديرية المنطقة وأصوات سياراتهم والباصات الخاصة بهم كانت تعم المكان خارجاً بدأ العناصر بإخراج الشباب الذين قامو باعتقالهم من الزنازين وعادوا لتقييدهم مرة أخرى، وكان العنصر الذي تلقى الدفعة من أثناء محاولة هربي يبحث عني مع ترديد كلمات نابية والنداء بأسماء الحيوانات. وعندما وصل إلي قام بإخراجي من الزنزانة وضرب وجهي ودفعي باتجاه الحائط وأراد تقييدي وقال لي بالعامية (عصلك ياهن؟) أي هل يشد القيود على يدي، قلت له متل مابدك :) فرد بأنه سيكون أحسن مني ولن يقوم بشد القيد البلاستيكي على يدي، فشدها إلى أقصى حد، ثم قامو بصفنا وتنزيل رؤوسنا وإخراجنا من المبنى وأصعدونا إلى أحد الباصات الصغيرة الخاصة بهم، كنا حوالي ال 10 شباب وضعو الشباب تحت سن ال 18 كل شبين في مقعد لوحدهم ووضعونا 5 شباب الأكبر عمراً في آخر مقعد 5شباب، وبدأت الباصات والسيارات بالمسير وبدأ العناصر بضربنا نحن الخمسة بالعصي على ظهورنا على أنغام أغنية علي الديك الوطنية "يابشار متلك مين" طيلة الطريق حتى وصولنا إلى فرع المزة _عرفنا ذلك بعد وصولنا بيوم_ عند وصولنا لساحة الفرع قامو بإنزالنا من الباص والعناصر يصطفون على الطرفيق ويقومون بضرب كل من ينزل من الباص حتى باب الفرع، أصعدونا إلى الطابق الأول أو الثاني غير معروف لأننا لم نستطع من النظر أمامنا، لكن حسب عدد الدرجات أنه الثاني :) .

هناك قامو بفك القيود البلاستيكية عن أيدينا، ووضعو عصبات على أعيننا، وجعلونا نخلع ملابسنا ماعد البنطال الداخلي للتأكد من عدم حوزتنا على شيء، ثم أعدنا ارتداء الملابس بسرعة دون معرفة هل نلبسها بالشكل الصحيح أم لا بسبب تعصيب أعيننا وتوجيه الشتائم للسرعة من قبل السجانين، بعد ذلك وضعو الكلبشات الحديدية في أيدينا وأخذونا إلى ممر بين الغرف وبدأوا بإدخالنا شخص شخص إلى غرفة التحقيق. كان صوت الصراخ والعياط يملأ المكان، عندما حان دوري قاموا بإدخالي للغرفة وبدأوا بالأسألة عن اسمي وتاريخ ميلادي ومكان سكني، ثم بدأ التحقيق عن سبب وجودي في الشارع وبعد الإجابة يكون الرد منهم بكذاب مع صفعة على الوجه، بعد عدة صفعات وصراخ منهم ولم يحصلوا مني إلا على نفس الجواب أرسلني إلى غرفة يقال لها غرفة التشبيح وعلقوني من أيدي في سقف الغرفة عن طريق الكلبشات لمدة نصف ساعة تقريباً معلق من الأيدي وأقف على رؤوس أصابعي لكن وقتها طولي ساعدني في تحمل الأمر حيث كنت أريح قدم وأقف على الأخرى :) ، بعدها أعادوني لغرفة التحقيق وأعاد نفس السؤال فأجبته نفس الإجابة فجعلني أستلقي أرضاً على بطني والقيام برفع قدمي للأعلى وعندها بدأ ضربي بالخيزرانة على قدمي حوالي 25ضرب، ثم أعاد سؤالي نفس السؤال فأعطيته نفس الإجابة فعاود ضربي بالخيزرانة حوالي 30 ضرب وعندما لم يحصل على إجابة أخرى أخرجني إلى الممر وأدخل الشاب الذي بعدي، وبعد الإنتهاء من التحقيق مع جميع الشباب وضعونا في الممر الفاصل بين غرف التحقيق وأتا عنصران لم نعرف منهم وبدأوا بضربنا واحداً تلو الأخر، كانوا يقفون على يمين ويسار الشخص ثم يبدأون بالضرب بالأيدي والأرجل مع الشتائم وإذا قام أد الشباب بطلب الرجاء منهم يزداد حقدهم وكمية الضرب.

بعد الإنتهاء من ضربنا أدخلونا إلى غرفة السجانين وجعلوا وجوهنا باتجاه الحائط وأمرونا بالجلوس ولم يكن هناك من المتسع لنا جميعاً إلا بالجلوس على ركبنا، بعد حوالي الساعتين لاحظ السجان في الغرفة أننا نتألم من الجلوس على الركب وحتى لانحدث له ضجة قام بتوزيعنا على غرفة السجانين وغرفة التشبيح حتى نتمكن من الجلوس براحتنا، كنت ممن جلسو في غرفة التشبيح، وعندما شعرت بوجود هدوء في الغرفة عرفت أهم خرجوا فقمت برفع الطماشة (غطاء العين) قليلاً حيث تمكنت من الرؤية في محيط الغرفة، فوجدت شاب أعرفه اعتقل قبلي ب 10 أيام كان جالساً بجانبي، حاولت أن أثير انتباهه لكن لم يلتفت بسبب ماعاناه قبلي.

في صباح اليوم التالي أحضروا لنا الإفطار قصعة مربى المشمش وعلبة جبنة أقراص وخبز "قصعة: وعاء كبير يوضع به الطعام معروف في الجيش والسجون في سوريا" على الإفطار كان معنا شاب لايلبس قميص ظهره مليء بالجروح ويجلس بدون عصبة لعينيه ويسمحون له بالذهاب للحمام لوحده أو بالقيام لتعبئة المياه، عرفنا لاحقاً أنه كان حاجب لغرفة رئيس الفرع، وقاموا بضبطه أثناء قيامه بسرقة الجوالات من غرفة رئيس الفرع.

بعد الإفطار قاموا بتوزيعنا على الجماعيات والزنازين الموجودة، أدخلت أنا والشاب الذي أعرفه إلى نفس الجماعية وقتها تعرف علي :). وجدنا الكثير من الشباب من بلدتنا الذين نعرفهم ويعرفوننا ومن الذين اعتقلوا قبلنا بفترة ولم يعرف عنهم شيء، وكان هناك أيضاً شباب من مناطق أخرى، اجتمعنا حوالي 38 شخص في غرف 4*5 أمتار بداخلها مغسلة وحمام.

الجلوس في الجماعية كان فيه بعض الأريحية والحرية نوعاً ما حيث لم يكونوا يتفقدونا إلا وقت جلب الطعام أو وقت التفقد للتأكد من عدم هروب " لا أعرف كيف سيهرب :) " أو وقت استدعاء أحدنا للتحقيق أمضيت فترة شهر داخل الجماعية، استمعت فيها إلى قصص باقي الشباب ممن تنقلو بين الفروع وعن التعذيب الذي تلقوه وطرق الإعتقال التعسفي بحقهم.

في بداية الأمر في جماعية وبسبب كثرة عددنا كنا ننام تسييف "النوم على على الجنب كل شخص ظهره لوجه الآخر" وبعض الشباب يبقى صاحياً بسبب عدم اتساع المساحة، كانو يحضرون لنا 3 وجبات يومية فطور وغداء وعشاء، الفطور يتنوع بين الزعتر أو المربى مع الجبنة أو الزيتون مع الحلاوة ومرة واحدة أحضرو لنا اللبنة، وجبات الغداء كانت مجدرة أو رز وفاصوليا أو برغل مع فول أخضر وكان هناك 3أكلات تعتبر أكلات دسمة كدعم للنساجين كانت واحدة منهما كل أسبوع حسب القرعة وهي رز وشاكرية أو كبسة أو فريكة وجميعها تأتي خالية من اللحم :)، وجبات العشاء كانت تتنوع بين شوربة العدس أو الإندومي الذي كان المساجين يقومين برميه وكبه دون أن يؤكل "يكب بسبب منع أن تعود القصعات مليئة" أو البطاطا المسلوقة مع البندورة.

خلال 27 يوم لم يتم استدعائي للتحقيق نهائياً رغم قيامهم باستدعاء معظم الشباب الموجودين معي في الجماعية، أشد أنواع التعذيب كانت عندما يتم استدعاء أحد للتحقيق والتأخر في عودته للزنزانة أو عند سماع صوت صراخ وضرب أحد المعتقلين ليلاً، أو عند إغلاق الفتحات الموجودة على الأبواب لكي يدخلو معتقلين إلى زنازين بعيدة عن التي كنا بها حتى لانراهم، كنا نعتقد أنهم يعتقلون نساء بداخل تلك الزنازين.

بعد 27 يوم من وجودي في الجماعية تم استدعائي وإلباسي الطماشات"غطاء الأعين" والكلبشات ثم تم أخذي إلى غرفة التحقيق، من قبل نفس المحقق حسب صوته لكن في غرفة أخرى وكانت قيد الإكساء بسبب وجود حصى ناعمة على الأرض، قام بسؤالي عن اسمي ومكان اعتقالي ومكان سكني وعن أرقام هاتفي ثم بدأ التحقيق بنفس الأسئلة التي وجهت لي في المرة الأولى، عن سبب وجودي في الشارع وماذا كنت أفعل وما إلى ذلك، وقمت بالرد عليه بنفس الأجوبة وكان يردد مابدك تقول الحقيقة وعدة صفعات، ثم جعلني أستلقي أرضاً على بطني رافعاً قدمي للأعلى كما في المرة السابقة وبدأ بضربي بالخيزران حوالي ال 25 ضرب أيضاً ثم أعاد الأسئلة وكانت أجوبتي نفسها، فاستبدل الخيزران بكبل الكهرباء وبدأ بضربي من جديد حوالي 15 ضرب ثم أعاد الأسئلة وأعدت نفس الأجوبة ثم للمرة الثالثة أعاد ضربي بالكبل حوالي 30 ضرب، فأصريت أكثر على إجابتي.

جعلني أقف على قدمي من جديد وخرج من الغرفة لحوالي الربع ساعة ثم عاد ووجدني أرفع قدم وأنزل الأخرى، فسألني مابك، فأخبرته أن قدماي تؤلماني بسبب وجود الحصى الناعمة على الأرض. فأمر بإعادتي إلى الجماعية وعند إزالة الطماشات عن عيني وجدت ثيابي مليئة بالغبار لأن غرفة التحقيق كانت حديثة الإنشاء والإكساء.

بعد ثلاثة أيام كانت وقفة عيد الأضحى، أصدر بشار الأسد عفواً جماعياً، فتم استدعائنا واحدً تلو الآخر وجعلونا نوقع على أوراق لانعلم ماهي وعلى ورقة استلام الأمانات الخاصة بنا، ثم أعادونا إلى الجماعية وبنفس اليوم مساءً تم استدعائنا مجدداً وسلمونا معظم أغراضنا وأطلقو سراحنا، خرجنا بثيابنا المهترئة نوعاً ما وبدون أحذية كوننا آخر دفعة خرجت من الزنازين وقتها فلم يبقَ أحذية لتوزع علينا :)

هذه تجربتي الشخصية في التوقيف مدة 30 يوم، طبعاً تعتبر سياحة الآن نسبة إلى مايعانيه إخوتنا المعتقلين في سجون النظام حالياً، اللهم فرج عنهم وعن كامل سوريا.

أعتذر على الإطالة.