في فترة دراستي بالكلية، كنت اعمل مشرفة في أحد المراكز التعليمية، قررت قرارًا لا عودة فيه أنني لن استخدم العصا مطلقًا لفرض شيء ما على الطلبة والطالبات، أبدًا

وفي بداية عملي وبداية تعرفي على الطلبة، بدأوا يلاحظون أنني لا امسك العصا، لا الوم فلانًا لانه تكلم في حضرتي ضربًا بالعصا، ولا اصفع فلانًا لانه لم يجب على تساؤولاتي، لا امسك العصا أثناء المنادة على الأسامي لعلم المتغيبين.

بعض التلاميذ المتفوقين هناك الذين تجدهم في بدايات الصفوف الأولى في المدرسة والجامعة التي ربما تريد أن تصفهم بصفات مملة، قالوا لي لماذا لا تضريبنهم يا أستاذة وتنهين هذا الهرج والمرج هنا!!

أخذت نفسًا عميقًا وطلبت منهم جميعًا أن يصمتوا ويستمعوا إلي، قلت لهم أنني لا أريد أن احصل على احترامهم ولا انصاتهم بالضرب والتخويف أبدًا، من أراد أن يصمت في وجودي فلا بأس ومن أراد أن لا يفعل فلا بأس أيضَا، لن احصل على احترام ممذوج بالخوف من أحد! أريد منكم احترامًا حقيقياً، لا احترام مبني على أنك تخاف مني!

(دعك من أن طولي القصير لم يكن ليسعفني أبدًا في فرض سطوتي على هؤلاء العمالة في سن المراهقة :"D)

بالطبع لك أن تتخيل طلبة في سن المراهقة أربعة عشر عامًا قضوها في الخوف، الخوف من إنهم لم يقوموا بحل المسألة بالشكل الصحيح، الخوف من مقاطعة الأستاذ، الخوف من مقاطعة المدير، الخوف من عرض الرأي، الخوف من عدم كونك الطالب المثالي، الخوف من عدم الحصول على درجات مميزة.

العصا وما أدراك ما العصا، تلك التي تحجرت عقولنا بها ومازلنا نحجر به عقول أطفالنا

كبرنا الآن ولم تعد هناك عصا نضرب بها، لكن صار هناك عصيان أخرى كثيرة، عصيان الفقر، العطالة، الإنجاز، العنوسة، الجمال، مقاييس المجتمع، الخوف من الفشل، الخوف من الوقوع في الحب أو حتى الخوف من عدم وجود الحب!

لا عجب أننا مازلنا نخاف من مشاعرنا، نخاف من مقاطعة الحياة واقتحامها، لا عجب أننا مازالنا خائفين، ومازالنا نربط قيمتنا الانسانية ببعض العصي هنا وهناك!