الجميع يشتكي .. والشكوى هنا تسير في اتجاهين متضادين:

الاتجاه الأول: أبحث عن عمل

وهو لشاب – صغير أو كبير – ليس لديه عمل، أو يعمل في وظيفة لا يراها مناسبة. فيضع السيرة الذاتية الخاصة به في مواقع التوظيف العالمية، ويقوم بسؤال الأهل والأقارب والمعارف والأصدقاء عن أي فرصة تناسبه.

يبدو الأمر بسيطًا ومنطقيًا للكثيرين .. أليس كذلك؟ حسنًا .. لننظر إلى الجانب الآخر.

الاتجاه الثاني: أبحث عن موظف

وهو لشركة – كبيرة أو ناشئة – تريد أن توظف موظفًا بمواصفات خاصة لتأدية مهام خاصة، فتسعى للبحث في مواقع التوظيف، أو من خلال الشبكات الاجتماعية، أو لنكدإن، أو بسؤال الأهل والأقارب والمعارف والأصدقاء، عن أي موظف يصلح للفرصة المتاحة لديهم.

هنا تبدأ المعضلة

يتقدم الفريق الأول (الموظف) إلى الفريق الثاني (صاحب الوظيفة) في مقابلة تقليدية، وتكون النتائج كالتالي:

  • يرفض الموظف الالتحاق بالوظيفة لضعف الراتب
  • يرفض الموظف الوظيفة لعدم شعوره بالراحة في بيئة العمل
  • يرفض الموظف الوظيفة لأنها بعيدة عن محل إقامته
  • يقبل الموظف الوظيفة ويكون أداؤه أقل من المستوى المتوقع، فيفصله صاحب العمل
  • يقبل الموظف الوظيفة ويكون أداؤه مرتفعًا، ولكنه يترك الوظيفة لأسباب تتعلق بالطموح

الخلاصة أن النتيجة هي أن الموظف (الذي يبحث عن عمل) لا يقبل بالوظيفة المعروضة عليه، وصاحب العمل (الذي يبحث عن موظف) يعود إلى معاناته سريعًا في البحث عن موظف، لأن معظم المتقدمين إما لا يقبلون بالوظيفة، أو غير مؤهلين لها.

أين المعضلة؟

في رأيي الشخصي يتلخص الحل في كلمة واحدة: التأهيل

لا أقصد بالتأهيل، التأهيل المهني وحده، بل التأهيل النفسي كذلك. ولا أقصد بالتأهيل الموظف وحده وإنما صاحب العمل كذلك.

الموظف المتقدم للوظيفة وهو غير مؤهل علميًا لمتطلبات الوظيفة، كيف يقنع نفسه بالذهاب إلى المقابلة في الأساس؟

ولماذا لا يعمل على نفسه بالتطوير والتنمية المستمرة؟ أسئلة تبحث عن إجابة.

ومن الناحية الأخرى – النفسية – لماذا لا يقبل الموظف بتقديم بعض التنازلات بشأن العمل طمعًا في تنمية ذاته؟ فإذا كان العمل بعيدًا عن المنزل قليلاً، أو يتطلب الاستيقاظ مبكرًا ساعتين، أو استقلال أكثر من مواصلة، أو غيره ... لماذا لا يقوم الموظف بالتؤهل نفسيًا لمثل هذه المتغيرات التي تعتبر – الآن – متطلبًا أساسيًا في سوق العمل.

على الناحية الأخرى من صاحب العمل، لماذا لا يقدم متطلبات واقعية تتناسب مع طبيعة العمل؟ لماذا يطلب من الموظف طلبات خيالية (تعجيزية) لأجل التحكم به، ووضعه في حيز راتب ضعيف لا يمكنه تخطيه، ولا يمكنه حتى مناقشة الزيادة فيه؟

لماذا لا يوفر بيئة عمل ذكية تشجع الموظف على الارتباط بالمكان؟ أو لماذا لا يقدم له تسهيلات في العمل تعطيه إحساس بالراحة تجاه عمله؟ كل هذا ينعكس في كلمة واحدة: الولاء

هل فكر أحد المدراء يومًا في السماح لأحد موظفيه بمباشرة عمله من المنزل؟ أو إعطاؤه يومًا أجازة بدون أن يطلب؟ أو إعطاؤه مكافأة غير متوقعة؟ أو توفير وسيلة نقل من وإلى المنزل لفريق العمل؟

بالتأكيد الطلبات السابقة تتطلب ميزانية خاصة، وبالتأكيد هذه الميزانية الخاصة ينبغي أن تكون مبنية على تدفق ربحي معين للشركة حتى يمكنها القيام بهذا الأمر .. أدرك هذا جيدًا، ولكن الأمر أشبه بالدائرة: توفير بيئة عمل طيبة – موظف يحب بيئة عمله – موظف يعمل بجد واجتهاد – قيمة الموظف لشركة ترتفع – الشركة تربح أكثر – الشركة تنفق على راحة الموظفين أكثر – توفير بيئة عمل طيبة للموظفين – الخ

كيف الوضع الآن؟

موظف يستيقظ كل صباح، يكره مديره، ويكره عمله، ويكره حياته، ويكره أهله جميعًا لأنه بسببهم يذهب إلى هذا العمل.

ثم نوع فريد من البطالة، وهو موظف لا يجد عملاً في بيئة توفر الكثير من فرص العمل.

هل من الممكن تجاوز هذه العقبة في بيئة عمل ذكية؟ أقول هل.......؟