اتصلت به بعد فترة غياب طويلة لأسأله عن أخبار شركته الجديدة في مجال التدريب مع (فلان) فأخبرني أن الشركة تم فضها واستأثر (فلان) بالشركة وحده. تعجبت، وسألته عن الأسباب، فقال كلمة واحدة: الطمع.

قالها بضيق شديد ثم بدأ في التوضيح: "عندما بدأت الشركة كنا 5 شركاء، كل شريك منا أضاف مبلغ معين في رأس المال، وبناءً على هذا المبلغ يأخذ حصته من الأرباح. هذا بالطبع غير جهودنا الشخصية (مثل الترويج وإجراء الصفقات المباشرة والدعاية على الملف الشخصي على الشبكات الاجتماعية، وغيرها مما يصب في مصلحة الشركة ككل). في وقت وجيز كَبُرَ حجم الشركة، وزاد الطلب على دوراتنا التدريبية، وبدأت الشركة تجني أرباح ملموسة، وبحسبة بسيطة، سيتم تعويض رأس المال لكل الشركاء خلال أقل من سنة".

"بدأ سلوك مدير الشركة – الشريك المؤسس وصاحب الفكرة – في التغير مع بقية الشركاء. تمكن من إقناع 3 من الشركاء بالانصراف، وبطريقة عجيبة. أحد الشركاء دفع 10 آلاف جنيه، أعطاه 12 ألف جنيه، وقال له: دخلت الشركة بـ 10 وخرجت بـ 12. أنت رابح." وهكذا مع بقية الشركاء، حتى جاء دوري وطلب مني صراحة الخروج، وأخبرني: دفعت 20 في البداية خُذ 22 واترك الشركة، فاعترضت وأخبرته أنني لن أقبل بهذه القسمة، وأن هناك محاسب قانوني سيجري حساباته معك وأنني سآخذ حقي كاملاً". انتهت رواية صديقي عند هذا الحد، ومن نافلة القول أن نقول أن نصيبه في رأس المال الآن قد تجاوز 28 ألف جنيه، هذا غير نصيبه في أرباح الشركة.

ليست هذه القصة الأولى في قصص "ثقافة الأنا" في الشركات العربية. فمنذ فترة اجتمع ثلاثة من الأصدقاء: 2 مبرمجين وآخر متخصص في محركات البحث. المبرمجان كان لهما دوام ثابت في شركة أخرى، ولهما مدخرات من المال، بينما المتخصص في محركات البحث متفرغ. قررا إنشاء مركز تدريبي لتعليم اللغة الإنجليزية، يديره المتفرغ مقابل حصة زائدة من الأرباح. على أن يقوم كلا من المبرمجين بمتابعة العمل في وقت فراغهما، وتقديم العون إذا طُلِبْ. من ضمن العون الذي قدمه أحدهما كان توفير مكان الشركة/المركز التدريبي. (فيلا واسعة بإيجار منخفض للغاية، لأن صاحب الفيلا صديق هذا الشريك، وأراد مساعدته في مشروعه الجديد بشكل غير مباشر).

ما الذي حدث بعد فترة؟ السيناريو المتوقع.

بدأ المركز يحقق أرباح عالية في زمن قياسي لأن قكرته كانت جديدة، وكان يساعد عليها المكان الواسع (وهو أن يوفر بيئة إنجليزية كاملة لممارسة اللغة بشكل تفاعلي)، وبدأ يشتهر، وبدأ الشركاء يفكرون في إنشاء فرع جديد. كان هذا عندما بدأ الشريك المتفرغ في التذمر، ويقول عبارات من نوعية: "العمل شاق عليّ وحدي – أنا أحمل الشركة على أكتافي بينما يتقاضى كل منكما نصيبه في الأرباح – أنتما في منطقة الأمان في وظيفتكما بينما أنا في مخاطرة ووقتي كله للشركة – الخ".

خلاصة هذا التذمر أنه عرض عليهما خيار من اثنين: إما أن يشاركاه المجهود بالتساوي في إدارة المكان، وإما أن يتركا الشركة له، فهو أحق الناس بها. نفس السبب السابق: الطمع.

المؤسف أنه بعد خروج الشركاء وتفرد الشريك الطماع بالشركة خسرت وأغلقت أبوابها في فترة وجيزة من الزمن. وكان أول أسباب الخسارة، أن طلب صاحب الفيلا – صديق الشريك الذي خرج – استرداد الفيلا، لأنه أعطاها في الأساس مساعدة لصديقه، وليس لشريك طماع.

لماذا تحدث الخسارة بعد فض الشراكة بسبب الطمع؟

القصص كثيرة في هذا الشأن، وإن كان مبدؤها الطمع، فإن المسكين الذي يطمع يضن بالأرباح على شريكيه، فتمنى أن يؤول إليه الربح بالكامل الذي قد يكون (3س)، ولكنه يفاجأ أنه أصبح يربح (س) واحدة فقط، أو يخسر جميع ماله، ولا يدري لذلك سببًا، وينسى أن الأرزاق بيد الله، له حكمته العميقة في توزيعها.

الشركة التي كانت تربح (3س) كانت تربح هذا الربح بناءً على وجود أولئك الشركاء بها، لأن هذا رزقهم. وبالتالي فذهاب هؤلاء الشركاء يعني ذهاب هذه الأرباح، وليس بقاؤها بالكامل لصالح الشريك الطماع. حتى وإن بقيت الأرقام كما هي، فإن بركة الجماعة تذهب مع فض الشراكة.

بل إن الحكمة تقضي بأن يُبقي شركاؤه معه، والاستفادة من الإضافة التي يقدمونها إلى الشركة، سواء بمشاركتهم أو جهودهم الشخصية. معالجة الطمع سهلة، إذا أدرك الإنسان أن له رزق لن يجاوزه، وأن يد الله مع الجماعة، وأن يتواجد معك من هم حريصون على نجاح المشروع ونموه، أفضل من الاعتماد الكامل على الموظفين. الموظف انتماؤه الأساسي إلى راتبه، بينما الشريك انتماؤه الكامل للشركة.

غياب ثقافة روح الفريق الواحد Teamwork

إذا كنت تستخدم نظام النوافذ Windows لحاسوبك الآن، فاعلم أنه نتائج جهود ومساعي فريق عمل بدأ من بيل جيتس وبول ألين. أما إذا كنت تستخدم أجهزة ونظام ماك المقدم من شركة آبل Apple، فهو نتائج اتحاد جهود ستيف جوبز وستيف وزينياك (بالمناسبة ستيف جوبز لم يكن مبرمجًا). بالتأكيد تستخدم محرك بحث جوجل في اليوم مرة واحدة على الأقل. حسنًا .. كان هذا مشروع تخرج لاري بيج وسيرجي برين.

تأمل بنفسك أكثر المشروعات نجاحًا في الحياة سواء على الإنترنت أو خارج الإنترنت، وستدرك أن أغلبها نتيجة جهود فريق عمل حريص على نجاح وإخراج هذا المشروع للنور، وليس جهودًا فردية لشخص بذاته.

غياب ثقافة فريق العمل Teamwork واستحواذ مشاعر الطمع، والرغبة في احتلال منصب الرجل الأوحد One-Man-Show كل هذا من شأنه أن يقتل المشروع وهو بعد في المهد. أما استغلال مهارات وإمكانيات كل فرد من فريق العمل، يأخذ بالشركة/المشروع إلى آفاق لم يكن يحلم بها المؤسسون أنفسهم.

نحن – في عالمنا العربي – نفتقد هذه الروح. روح الفريق الشغوف، المتحمس، النشط، المتجدد، المبدع، الجريء، المتعاون، الذي يسعى لتحقيق هدفه حتى النهاية. روح الفريق Teamwork حينما التزم بها مشروع مثل أسلوب، حينما اهتم ببناء فريق عمل قوي، تمكن من الوصول إلى النجاح الذي وصلوا إليه حتى لحظة كتابة هذه السطور.

أسلوب على اليوتيوب:

وليس وحدهم، هناك فريق إيجيبتون الذي يقدم الفيديوهات الساخرة المفيدة، وفريق عمله بقيادة د. أشرف حمدي.

إيجيبتون على اليوتيوب:

وغيرها من فرق العمل التي كَبُرَ حجمها وظهر نجاحها باقتناعها بفائدة فريق العمل، وحفاظها على أفراد هذا الفريق، واقتناعها التام بأن كل فرد من أفراد فريق العمل يعتبر جزءًا أساسيًا في نجاح الشركة/المشروع.

هل قابلتك قصص من هذه النوعية؟ سواء معك أو مع غيرك؟ هل رأيت نماذج ناجحة لفريق عمل متكامل استمر في طريقه حتى النجاح؟