لطالما بدت لي ساعات العمل المعتمدة عالميا بالوظائف قاتلة لحياة الموظف كإنسان, قلة هم أولائك الذين يشعرون بالرضى التام عن عدد ساعات عملهم, بل أن أغلب الموظفين لا يعملون فعليا مدة ثمان ساعات يوميا بل يقضون كثيرا منها في نشاطات بعيدة كل البعد عن مهامهم الوظيفية, كالدردشة مع الزملاء وتصفح المواقع الاجتماعية, بل حتى التفنن في تحضير الطعام بمقر العمل, فرائحة مختلفة الأطعمة تفوح بأروقة الإدارات التي ألجها...ومع ذلك فإن هذا لا يؤثر على سير عمل الإدارة, بما يدل على أن هناك ساعات زائدة مفروضة بلا أي نجاعة.

يقول زعيم أحد الأحزاب الاسبانية: "إسبانيا إحدى الدول التي يعمل بها العمال ساعات أكثر من المتوسط في أوروبا، ومع ذلك لسنا من بين أكثر البلدان إنتاجية، أؤكد أن العمل لساعات أكثر لا يعني العمل بشكل أفضل".

وَعدت العديد من الدول الغربية مراجعة نظام ساعات العمل ووضع خطة لتقليصها وتقليص عدد أيام العمل الأسبوعية أيضا دون المس بقيمة الأجور, ودخلت بعض الدول فعلا مرحلة التجريب كاسبانيا. والهدف هو توظيف عدد أكبر من العاطلين ومنح الموظفين أوقات راحة أكثر للترفيه والتفرغ للعائلة, فاقترحت بعض الحكومات تقليص ساعات العمل اليومية لست ساعات وأيام العمل الأسبوعية لأربعة أيام, وأظن أنه لو نجحت العملية فإن العالم العربي سيتبناها أيضا مع بقية دول العالم الثالث, كما حدث وتبنت قبل ذلك نظام الثمان ساعات.

من جهة أخرى ومن ناحية مواقيت بدأ العمل ونهايته يقول عبد الوهاب المسيري رحمه الله: "إن ساعات العمل تصلح تماما لبلادهم, أما بالنسبة لبلادنا فيوم العمل المناسب يمكن أن يبدأ بعد صلاة الفجر وينتهي عند وقت الظهيرة على أن يستأنف الناس حياتهم الاجتماعية بعد العصر ويناموا بعد صلاة العشاء. وهذا اقتراح ليس نتيجة دراسة متعمقة وإنما هو مجرد دعوة لفتح باب الاجتهاد بخصوص شيء نعتقد أنه "طبيعي" وعالمي وهو في واقع الأمر ليس كذلك, بل هو تعبير عن تحيز الآخر لواقعه واستجابته الخلاقة له. لابد أن ندرس مدى إمكانية وجدوى تبني يوم العمل المقترح..." كتاب العالم من منظور غربي, الصفحة 75. فبراير 2001

لا أرى فكرة الدكتور المسيري رحمه الله عمليّة لأن الفجر عامل متغير بشكل يومي وبالتالي سيخلق اعتماده كمعيار ارتباكا بسير عمل الإدارات, ربما يفيد أكثر اعتماده بأعمال التجارة والأعمال الحرة..لكنها تبقى كما قال دعوة للتفكير في نماذج أخرى نابعة من ثقافتنا وطبيعة مجتمعنا ومناخنا, بعيدا عن استيراد النماذج الغربية واللعب بخانة المستهلكين للأفكار.

فما رأيك عزيزي القارئ؟ هل توافق على مراجعة نظام ساعات العمل ومواقيته؟ وما هي الأفكار التي لديك حول هذا الموضوع؟