جاءني صوت أنثوي من خلف سماعة هاتفي: الآنسة إيناس؟ معالي ناصر الشريدة يطلبكِ في مكتبه حالاً.

لماذا يطلبني؟ تكرر السؤال في ذهني وأنا في طريقي للطابق الثالث عابرة بوابة الأمن، متوجهة مع السكرتيرة لمكتب معاليه، حيث وقفت أمامه ومديري ينظر إليّ باضطراب، بينما رفع معاليه رأسه ونظر إليّ قائلاً: هل أنتِ من قام بالعمل على هذا التقرير؟ وناولني إياه، فأجبته بثقة: أجل.

ناقشني ببعض النقاط ثمّ طلب بعض التعديلات قائلاً: أنهي التعديلات وأرسليها على بريدي الإلكتروني بأقصاه مساء الغد.

في نفس الليلة كانت الملاحظات على بريده الإلكتروني، ثمّ وبعد فترة عرفت بأن بعض المعلومات التي كانت في التقرير قد استخدمت في عرض مرئي تمّ تقديمه أمام جلالة الملك ودولة رئيس الوزراء.

بعد قرابة الشهر -حيث تمّ اختباري خلاله بأكثر من موقف- كان قرار معالي الوزير بحضوري مع مديري اجتماعات مجلس المفوضين الذي يترأسه معاليه، وهو المجلس المسؤول قانونياً وتنظيمياً عن إدارة وتطوير ورسم سياسات المدينة من خلال القرارات الناتجة عن هذه الاجتماعات، كانت مفاجئة للجميع الذين لم يروا مني إلا موظفة لم تشغل أية وظيفة إشرافية، ولم تتعامل مع أي وزير أو مفوض بشكل مباشر، ولا تعرف مسؤولاً غير مديرها، ومثل هذه المجالس لا يدعى إليها مَن هو أقل من رتبة مدير، فكيف لموظفة عادية أن تكون على طاولة الاجتماعات أسبوعياً، ولأكثر من مرة خلال الأسبوع الواحد؟

بعد عام واحد تمت إحالة مديري على التقاعد، لأفاجأ بأنّ معاليه قد قرر تسميتي قائماً بأعمال مدير المديرية التي أنا موظف فيها، كون درجتي الوظيفية لا تؤهلني لتسلّم منصب مدير في المستوى القيادي على سلّم الوظائف في حينه.

أنا مدير مديرية؟!، كان الأمر مستهجناً فمنذ تاريخ تأسيس مؤسستي أي منذ 20عاماً لم يشغل المديرية التي قمتُ بأعمال مديرها إلا الرجال الذين لا تقلّ أعمارهم عن الخمسين وليسوا أقل من مستوى مدير، بليلة وضحاها تشغل الوظيفة موظفة لم تتجاوز الثلاثين!؟.

قرار جرئ اتخذه رأس الهرم ليسمح بدخول موظف بسيط أبواب الإدارة التنفيذية دون واسطة أو دعم خارجي في وظيفة يتم تسمية مديرها ضمن اعتبارات كثيرة أغلبها وجاهية عشائرية مبنية على التوصية من جهات عليا، كون الوظيفة تعني حضور هذا المدير لاجتماعات مجلس المفوضين والاطلاع على الخطط الإدارية العليا ورسم سياسات المنطقة. رفض معاليه كلّ المحاولات الخارجية التي سعت لثنيه عن قراره -بادعاء من حاولوا ذلك- بأنّ لهذا القرار أبعاد مجتمعية ومخالفته للأعراف السائدة منذ تأسيس المؤسسة.

هذا الأمر جعلني أقدّر هذا الرجل، لقد كان قائداً في زمن يكون لبعض الاعتبارات كلمتها بتحويل مسئول قائد إلى مجرد مدير لأتسائل مع نفسي لماذا يفتقر مسئولينا غالباً لأن لا يكونوا أكثر من مدراء لا قادة، فما رأيكم؟ وهل سبق وتعاملتم مع قياديّ كان سبباً باكتشافكم؟.