"يجب أن نكون على استعداد للاعتراف بخطايا ماضينا حتى نتحرك معا نحو مستقبل من العدالة والإنصاف". قد يبدو هذا تصريح سياسي أو ناشط ، لكن الحقيقة هي أنه تصريح أدلى به بول جباري مدير شركة الأيس كريم الأمريكية Ben and Jerry's بمناسبة إطلاق شركته لبودكاست (من نحن: وقائع العنصرية في أمريكا) حول التفوق الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية.

البودكاست الذي أطلقته الشركة بالتعاون مع شركة الانتاج الاعلامي فوكس ميديا جاء بعد الجدل الكبير الذي أرفق مقتل جورج فلويد وتصاعد حملة Black lives matter.

قد يفسر البعض ما أقدمت عليه الشركة كمحاولة لركوب موجة التسويق بالقيمة الذي تمارسه الشركات منذ سنوات، لكن الحقيقة هي أنّ دعم Ben and Jerry's لحقوق الأمريكيين من أصول إفريقية لم يكن رد فعل مبني على قضية فلويد، بل كان نتيجة سياسة محاربة العنصرية المنهجية والمؤسسية التي تعتمدها الشركة منذ تأسيسها سنة 1978، والدليل على ذلك هو أنها قد انخرطت في هذه الحركة بشكل مبكر منذ مقتل المراهق مايك براون على يد ضابط في الشرطة سنة 2014.

وتظهر جدية الشركة في دعم حقوق الأمريكيين من أصول أفريقية في تجاوز دعمها منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والكلام إلى شن حملات مقاطعة لمن اعتبرتهم السبب الأول في نشر خطاب الكراهية، والمقصود هنا وسائل التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وتويتر وانستغرام. حيث أوقفت الشركة نشر إعلاناتها التجارية على هذه المنصات وحافظت فقط على نشر حملاتها الاجتماعية من أجل المساواة العرقية. 

حقوق السود ليست القضية الإنسانية الوحيدة التي تحارب شركة Ben and Jerry's لأجلها،  المساواة الاقتصادية، محاربة التأثير غير المبرر للشركات على الحكومات، حماية البيئة ومكافحة تغير المناخ، حقوق اللاجئين والمهاجرين، إصلاح العدالة الجنائية، حقوق المثليين،  جميعها قضايا تضعها الشركة على رأس أولوياتها، وقبل عدة أشهر أعلنت الشركة عن ايقاف بيع منتجاتها في إسرائيل بسبب العدوان الأخير على فلسطين. 

بالنسبة لشركة Ben and Jerry's فإنّ النشاط الاجتماعي هو أكثر من اتجاه تسويقي للشركة، لأنه أحد المبادئ التأسيسية لها. ويبدو هذا واضحا في تقديم الرئيس السابق للشركة جيف فورمان لBen and Jerry's على أنّها: "منظمة عدالة اجتماعية تبيع الآيس كريم لتكون قادرة على تغذية عملها في مجال الدعوة". وبهذا فإنّ الشركة تؤكد على أنّ المهمة الاجتماعية لا تقع تحت المهمة الاقتصادية مثلما يجري عليه الحال في بقية الشركات، بل تعمل بالتوازي مع المهمة الاقتصادية. 

العودة إلى تاريخ الشركة قد يفسر هذا الخيار، ففي سنة 1978 عندما أسس أصدقاء الدراسة بن كوهين وجيري غرينفيلد مقهى لبيع الأيس كريم كانا ينويان أن يدوم العمل لبضعة سنوات فقط لأنهما كانا يخططان لتركه والتفرع للسفر عبر الشاحنات في أنحاء البلاد، لكن نمو المشروع بطريقة سريعة وتحوله إلى شركة اقتصادية كبرى صعب عليهما التخلي عنه، ولهذا فبدلا من التخلي عنه قررا القيام بالأعمال بشكل مختلف، وبالتحديد من خلال انشاء عمل يدعم جميع الموظفين والمجتمع، وبهذا فقد أصبحا رائدين لنهج يضع الربح المالي ومصلحة الناس على نفس القدر من المساواة، ويطلق على هذا النهج اسم "Double dip".

لكن تدخل Ben and Jerry's في القضايا الاجتماعية الساخنة بما فيها تلك التي يُنظر إليها على أنها مثيرة للانقسام أو محفوفة بالمخاطر بالنسبة للأعمال التجارية يجلب لها الاتهامات في بعض الأحيان، فبعد مهاجمتها لسياسة الحكومة البريطانية في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين بتغريدة على تويتر تقول بأنّ "الأزمة الحقيقية هي افتقارنا إلى الإنسانية للأشخاص الفارين من الحرب وتغير المناخ والتعذيب"، اختار البعض السخرية من موقفها، ودعى البعض الآخر إلى مقاطعتها، كما اتهم وزير الخارجية البريطاني نفسه الشركة بادعاء الفضيلة. لكن هذه الدعوات لم تؤثر على الشركة وعلى العكس تماما أظهر مؤشر العلامة التجارية YouGov أن المستهلكين كانوا أكثر ميلا لشراء آيس كريم Ben and Jerry's بعد تغريدتها حول المهاجرين. 

وحتى مع اعتراف مختصي التسويق بأنّ أسلوب التسويق القيمي أو التفاعل مع القضايا الاجتماعية كثيرا ما يجلب لمستخدميه الغضب من المستهلكين إلاّ أنّ هذا لم يحدث مع شركة Ben and Jerry's لأنّ تاريخ الشركة في النشاطات الاجتماعية قديم، ما أكسبها ثقة المستهلكين في أنّ ما تقوم به هو دعم حقيقي للقيم الانسانية وليس مجرد ترويج لأجل الربح المادي مثل ما تقوم به بقية الشركات.

ما رأيك بسياسة Ben and Jerry's؟ 

هل تعتقد أن على الشركات أن تكون بعيدة عن القضايا الاجتماعية الساخنة والمثيرة للانقسام؟ أم أنّ للشركات الحق في إبداء رأيها في جميع القضايا المجتمعية والانسانية؟