إن الأثر الاقتصادي الذي تركته جائحة كورونا على القطاعات الاقتصادية كان كبيراً نتيجة الإغلاقات التي تمت كإجراء احترازي لمنع انتشار الفيروس، الأمر الذي عمل على تفاقم العديد من المشاكل الاقتصادية ذات الآثار الاجتماعية الوخيمة، خاصة في ظلّ انخفاض العرض والطلب معاً.

نتيجة تعثر العديد من الشركات كان أمام أصحاب المشاريع إما إغلاق المشروع، أو تطبيق الاستراتيجيات التي تحول دون ذلك ومن ضمنها استراتيجية تقنين وخفض النفقات.

تقنين النفقات، خيار استراتيجي للمدى القصير، حيث تضطر الشركات لاتخاذ خطوات سريعة في حال كان الوضع حرجاً من خلال ضغط التكاليف الإدارية والتشغيلية والبحث عن مصادر أكثر توفير في عمليات التجهيز والدعم اللوجستي.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحدّ، بل أنّ بعض المشاريع تبدأ بمراجعة جدول النفقات المصروفة على رواتب العاملين، وأعداد الموظفين، والتخلص من الفائض من خلال اعتماد طرق تقييم قاسية نوعاً ما للتخلص من ذوي الأداء المتوسط والمنخفض أو من الموظفين الجدد وعدم تجديد عقود العديد منهم.

مؤسسات ومشاريع أخرى قامت بدمج مجموعة من الوظائف بوظيفة واحدة لإشغالها من قبل موظف واحد، ما يعني ساعات عمل أكثر، بعدد كوادر أقل، بذات الدخل وربما بدخل أقل.

ترشيد استهلاك الكهرباء، وتخفيض عدد الخدمات والامتيازات المقدمة للموظفين كالمشروبات وساعات الراحة، في سعيّ إلى تقليص التكاليف أو لاستغلال الفائض الناتج عن التخفيض للاستفادة من خدمة تضمن بقاء المؤسسة، كتعيين خبير في التسويق والمبيعات أو تصميم وانتاج منتج جديد إلى جانب المنتج الأصيل.

هذه الاستراتيجية لم تكن مطبقة لدى المشاريع فقط، بل انتهجتها الدول أيضاً في طريقة عملها، مع تضمينها بالاستراتيجية الوطنية للتشغيل بهدف تسطيح منحنى البطالة والتخفيف من تداعيات البطالة الاقتصادية والاجتماعية.

لا أحد فينا ينكر قسوة تطبيق هذه الاستراتيجية على العامل، لما يتركه أثرها من تعقيد الوضع المالي، الذي سينعكس بالتأكيد على مصاريف هذا العامل وبالتالي سينعكس على حجم الالتزامات المالية المطلوبة مقارنة مع إمكانية الإنفاق المتحققة.

ولكن من وجهة نظر أخرى، وفي ظلّ هذا الواقع الذي عايشناه جميعاً، ألا تظنون بأنّ استراتيجية ضبط النفقات مكّنت المشاريع من إدراك قدرتها الاستيعابية الحقيقية؟ فمن خلال طرق الترشيد والترشيق التي اتبعتها بعض المؤسسات فقد استطاعت مواجهة الأزمة والاستمرار في الوقت الذي لم تستطع مشاريع أخرى المقاومة، فهل يمكن أن نعتبر تلك المحنة منحةً للمشاريع لتعمل بالحدّ الأدنى وتواجه الأزمة في سعيّها للبقاء؟ بحيث يتم ضبط النفقات بالحدّ المسموح دون تهاون فيه أو توّسع؟