في القرن الواحد والعشرين ظهرت حاجة ملحة لإيجاد وسائل جديدة، وأعمال ريادية جديدة تختلف عن ما هو موجود اليوم وفقاً لحاجة السوق ومتطلبات العصر الجديد، لتظهر أفكارٌ بعضها مستوحى من حاجة السوق، وأفكار أخرى عملت على تطوير المنتجات الموجودة وإظهارها بمظهر عصريّ.

في الآونة الآخيرة، ابتدع أحد الشباب فكرة جديدة، فقد كان يبيع المنسف بكأس وافتتح مطعماً أسماه (منسف بالكاسة)، 

ولمن لا يعلم، فالمنسف هي الأكلة الأردنية التي تعبّر عن تراث الأردن، وثقافته، ولذلك تعتبر الأكلة الشعبية الأشهر في الأردن.

فحين تزور وسط مدينة عمّان سيقابلك أحد المحلات الذي أضاف لمسة عصرية على وجبة المنسف الشهيرة، بعد أن كان "المنسف" يُقدّم في صينية كبيرة الحجم يتجمع حولها ما لا يقلّ عن سبعة أو ثمانية أشخاص يتناولون الأرز بأيديهم، في هذا المطعم أصبح طبق المنسق يقدّم في أكواب صغيرة كوجبة سريعة.

صاحب مطعم (منسف بالكاسة) يعتقد أنه بهذا الشكل قد أتاح الوجبة الأردنية الأشهر في جميع الأوقات وبأسعار تعتبر في متناول اليد، حيث يمكن للجميع تناوله بكلّ سهولة أثناء سيرهم أو تواجدهم في مركباتهم أو حتى في الشارع، إضافة إلى توفيره لفرص عمل للشباب الباحثين عن عمل.

فئة الشباب يعتقدون أنّ الأمر جميل ويستحق التجربة فتحويل وجبة شعبية إلى وجبة يتناولها المارة في الشارع أمر جدير بالاهتمام، خاصة إن رافق ذلك سعر مناسب.

إلا أنّ المعنيون بالحفاظ على التراث يعتقدون أن فكرة (منسف بالكاسة) قد قلّلت من معنى الموروث الذي يرونه أحد طرق إبداء الاحترام لضيوفهم وإكرامهم، فهم يظنون بأنّ الموروث بغض النظر عن كينونته له هَيبة واحتراماً كتقليد معروف يجب أن لا تضيع في متطلبات العصر الحديث، ذلك التخوف سببه أن يأتي يوم يضيع فيه التراث الذي تحاول أي دولة أن تحتفظ به سمةً لها، ووجه لحضارتها وهويتها.

نعلم بأنّ كثير من الفلكلور العربي تمّ تعديله بشكل عصري ليتناسب والواقع الحالي، فأغانينا التي تعبّر عن هويتنا تمّ تعديلها بشكل عصري، لباسنا التراثي تمّ إدخال بعض اللمسات العصرية عليه، والآن أكلاتنا الشعبية أصبحت تحت يد التحسين، ذلك التغيير أو ما يسميه العصريون بالتحسين، هل هو حاجة ومتطلب لا تؤثر بالهوّية ولا يمكن ضياعها أم أننا بالفعل بما نبتدع من أفكار نعمل على ضياع الهوية؟