مرحبًا،

هذا الأسبوع تابعت قضية (محاولة استحواذ الشركة الكندية أليمونتاسيون كوش-تار على متاجر كارفور الفرنسية)، ولأن القضية متشعبة جدًا، وممتعه، حاولت أن ارويها لكم ونفتح نقاشًا حولها.

كيف بدأت القصة؟

شركة كوش-تار الكندية والتي تُدير عدة متاجر تعمل في مجال تجارة التجزئة في كندا والولايات المتحدة والمكسيك و أوروبا واسياء، ولديها علامات تجارية عديدة. رأت هذه الشركة أن متاجر كارفور الفرنسية ستشكل فرصة مهمة ونقطة توسع مهمة في حال الاستحواذ. عليها،

تقدمت الشركة الكندية بعرض استحواذ بقيمة 16.2 مليار يورو لشراء متاجر كارفور للسوبرماركت في فرنسا. وبدات الشركتان في عملية التفاوض، كما هي العادة بعد أي عرض استحواذ.

الحكومة الفرنسية تستنفر

بعد أقل من 24 ساعة فقط، تدخلت الحكومة الفرنسية بشكل مباشر لإلغاء الصفقة؛ وصرح وزير المالية الفرنسي بقولة أن كارفور تُمثل مصدر أمن غذائي للشعب الفرنسي، ولن يتم التفريط بها لمستثمر أجنبي.!

ولأن الصفقة مهمة للشركة الكندية توجه ألان بوشار، مؤسسها الملياردير إلى باريس من أجل إقناع الحكومة الفرنسية بإتمام الصفقة وأن لديه نوايا طيبة؛ كما قام وزير الاقتصاد الكندي بالدخول على الخط ومحاولة إقناع الحكومة الفرنسية.

لهذه الدرجة صفقة سوبرماركت تجعل أعلى قيادات البلدين يتدخلون ... أين تكمن الفرصة للكنديين وأين مصدر الخوف للفرنسيين؟

كورونا علمتنا أهمية الأمن الغدائي

في كل بلد حول العالم هناك سياسة واضحة للأمن الغدائي، هناك دول تُدير سياستها من خلال الاستثمار في الزراعة أو الاستحواذ على شركات زراعية حول العالم، وهناك دول تقوم بتخزين الطعام، نعم تخزين الطعام. ودول أخرى تستثمر في قوانين تمنع تصدير الحبوب وبعض العناصر الغدائية المهمة، وهناك دول تستثمر في صناعة الغداء. وتأتي كل هذه الاستثمارات وسياسات التحوط من أجل ضمان غذاء كافي للشعب في وقت الحروب والأزمات.

وبالعودة إلى أزمة كورونا التي لا زلنا فيها حتى اللحظة، تدرك الحكومة الفرنسية بأن متاجر كارفور كانت سلاسل بيع مهمة ومصدر أمان خلال الأزمة. نحن نتحدث عن السيادة في مجال الغداء، قد يبدو الأمر لك مضحكًا أو طريفًا. لكن هذا هو السبب الحقيقي الذي دفع الحكومة الفرنسية لرفض الاستحواذ. لا نريد شركة أجنبية تتحكم في غذائنا. علاوة على ذلك متاجر كارفور هي من أكبر الشركات التي توظف الفرنسيين، ما هو الضمان في أن الشركة الكندية سوف تبقيهم؟

بالعودة إلى استثمارات الشركة الكندية نجد أن نمط عملها يدور في فلك (تجارة التجزئة) لذلك كان هذا الاستحواذ طبيعي ومتوقع من شركة تدير سلاسل من متاجر التجزئة حول العالم.

الشركة الكندية حاولت طمأنت الفرنسيين وقالت أنها سوف تتعهد بالتالي:

  1. منافسة "أمازون" الشركة الأمريكية المكروهة من الحكومة الفرنسية.

  2. تعهدت باستثمار ثلاثة مليارات يورو على مدى خمسة أعوام.

  3. تعهدت بعدم إلغاء الوظائف لمدة عامين،

إلا أن الفرنسيين رفضوا الأمر جملة وتفصيلا.

لماذا استخدمت الشركة الكندية ورقة أمازون في المفاوضات؟

عندما تقرأ وتدقق في الأمر ستجد أن أمازون يدمر الشركات الناشئة في فرنسا ويحتكر الأسواق، ولا تستطيع الحكومة الفرنسية إيقاف هذا الجنون، حتى مع كل دعاوى الاحتكار والضرائب التي تفرضها على الشركات التقنية الأمريكية و أمازون بالتحديد، لم تستطع حكومة فرنسا إيقاف أمازون. وبحسب الأرقام المعلنة قد اشترى أكثر من 70٪ من المتسوقين عبر الإنترنت في فرنسا شيئاً ما على أمازون في الأشهر الـ12 الماضية.

حاولت الشركة الكندية بأن تخبر الفرنسيين بأنها معهم في ذات الخندق وتريد كسر احتكار أمازون.

ليس غريبًا على الفرنسيين

رفض هذه الصفقة ليس غريبًا في الثقافة الفرنسية التي ترفض أو تخاف أو تخشى المستثمر الأجنبي، ويمكنك قراءة الكثير من الرفض في صفقات عدة، حيث رفضت الحكومات الفرنسية بشكل دائم وعرقلت بعض الصفقات. هذا يحدث في أمريكا وألمانيا أيضا بدعوى الخوف على الصناعة المحلية أو حماية الاسرار الاقتصادية والصناعية والاستثمارات الحساسة التي ترتبط بالأمن. لكن في فرنسا يبدو بشكل واضح وزائد عن الحد وفي كل الصفقات.

"لا تتدخل في الخبز"

عندما تعود لقراءة أحد أهم أسباب الثورة الفرنسية في العام 1789 ستجد أنه الخبز.!

قد يبدو هذا الخوف متأصل في الثقافة الفرنسية، نقص الغداء شيء مخيف جدًا سيدفع للناس للفوضى كما حدث في أيام الثورة.

يُقال أن الخبز كان يمثل أهم الصناعات الغذائية في فرنسا وهو مصدر غداء الشعب الوحيد ، ولذلك كان أي ارتفاع في أسعار الحبوب يسبب الكثير من المشاكل والتوترات في المجتمع. استغل الثوريون هذه الأزمة واشعلوا نار الثورة، وهكذا اندلعت الثورة الفرنسية

ولأجل ذلك نصح المستشار الاقتصادي تورغوت الملك الفرنسي لويس السادس عشر، قائلًا:"لا تتدخل في الخبز". لكنه لم يستمع إلى النصيحة وطاحت به الثورة مرة أخرى من أجل الخبز أيضا!

يمكنك إجراء بحث موسع لمعرفة تأثير (نقص الخبز وكيف كان أحد أهم العوامل في اندلاع الثورة الفرنسية). الآن لنعد لوقتنا الحالي وقضيتنا مع كارفور والأمن الغدائي لنعرف مكاننا نحن العرب أين؟

بناء الشركات الوطنية والمحافظة عليها

إن عملية بناء الشركات الوطنية والمحافظة هو هدف نبيل يجب أن تتم زراعته في كل رائد أعمال عربي، أن حالة (اللهث) خلف بيع الشركات العربية للمستثمر الأجنبي، والاحتفال بعمليات التخارج كأنها انتصار عظيم، يجب أن يتوقف. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخدم هذا النموذج منطقتنا. صحيح أن يخدم (المتنفذين) من هذا النموذج مثل مدراء الصناديق الاستثمارية، وشركات الاستثمار. لكن على مستوى ثقافة ريادة الأعمال، والهوية، والثقافة، ودعم الصناعة الوطنية، فأن هذا النموذج يشكل مبعث قلق كبير جدًا.

علينا أن نزرع هذه الثقافة ونروج لها من خلال المقالات والأفكار والنقاش حولها، وتبيان أثرها النافع. نحن لا نريد الإنغلاق على أنفسنا ولا نروج لذلك، لكننا نريد الحفاظ على مكتسباتنا الوطنية. وهناك فرق شائع جدًا بين (الاستثمار الأجنبي وبين تسليم رقابنا للمستثمر الأجنبي).