سأتحدث عن فئة مهمشة من النساء فئة ادنى من فئة اخرى اكثر تسليطا للضوء منها او النموذج الامثل حسب " العرف " الجاري في مجتمعاتنا العربية و الغربية بلا استثناء و غالبا هذه النقطة الوحيدة التي تشاركوا معنا فيها ربما…

"ماكثات البيوت"

هي صورة سعى من سعى الى جعلها تلبس ثوب الرثاثة و الرداءة فتبدو و كأنها لوحة عتيقة لعصور غابرة لا يرغب احد باقتناءها فحسبه انها ستشوه حاضره و مستقبله و نجحوا في جعلها تبدو كذلك..فعلا!!

يخيل الى المسامع حين تقول احدى الفتيات او النساء انها لا تعمل او لا تدرس و ماكثة في البيت سواء كان هذا البيت هو بيت والديها او بيتها و زوجها فهي بديهيا حسب تصورهم "فاضية شغل" لا تفعل شيئا غير الاعتناء بالمنزل و بكل تبدابيره و تدابير اهله و انها شخص غير مفيد و غير مستفاد بل مجرد ٱلة و وسيلة لقضاء الحوائج و انها بسيطة و خاوية عقل ليس لها من العلم و المعرفة و الاهداف نصيب!

و هذا لن اقول عنه تصور خاطئ بل هو قمة السذاجة لما اصبح رائجا من تلميع لصورة المشاهير و الاعلام مهما كان زادهم الاخلاقي و المعرفي فأصبحت الخارجة الوالجة يوميا صاحبة المنصب المرموق و القرارات النافذة و الذات المتفردة هي "المرأة النموذج" و انا هنا لا ازدري كل عاملة متعلمة و ذوات الدين و الخلق المحافظات و انما عتبي على الصورة العامة الجاعلة ان المرأة كائن غير سوي ما لم تكن فردا فاعلا في المجتمع تتمرغد فيه و تعلو المناصب و هذا تحقير و تقزيم غير مباشر لدور "ماكثات البيوت" و جعلهن يبدين بدائيات او ساكنات كهف مظلم بهيم!

ثم يوصفن "بالرجعيات" و اتسائل انا هنا الى اين رجوعهن؟! أإلى عهد النبوة و العزة يرجعن ام الى عهد تألقت فيه النساء و بلغن من العلا و الرفعة مبلغا و اما والله ما عليه كثير من نساءنا الان في قرننا الواحد و العشرين ماهو الا الاستعباد بثوب جديد و كان الوأد سالفا تحت التراب فوأدتن اليوم تحت مظلمة العلمانية فبأي ذنب قتلتن يا بنات محمد يا شرف امة لا اله الا الله؟

سأترك لكن حرية رأيكن في ما آلت اليه حالنا و اصوب سهم قلمي لـ "ماكثات البيوت" تلك التي إقتدت بمريم عليها السلام فلسان حالها يقول لكل غريب { إني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا} و من اقتبست من امها خديجة خلقا فكانت الصائنة لزوجها في مالها فأفسحت له القوامة و كانت هي سكنه و من عائشة ذات العلم و الورع التي لا تبخل على اخواتها بنصيحة و معلومة دون ان تهتك سترها و حياءها و ان في هاته تضرب الامثال و يقتدى...

فالمرأة التي في البيت ليس شرطا ان تكون خاوية بل منهم من هي علاوة عن انها تربي جيلا من البنين و البنات يناشد الامة و ترعى بيتها و زوجها و تضفي جوا من التوازن و السكينة و الامومة فهي مطالعة و قارئة بدرجة اولى فلها حرية تنظيم وقتها، و لها ان تصلي صلواتها على وقتها دون تأخير او جمع، لها ان تحفظ القرآن و تقرأه بشكل أيسر من غيرها، و لها ان تسجل في دورات تعليمية نسائية في بيتها، و انا على معرفة ببعضهن سمتها الخلق الطيب هينة لينة في المعاملة طيبة المعاشرة سمحة شذية اللسان "انثى" رقيقة و تسعى الى القراءة و الاستفادة و تغذية عقلها بما يفيدها في دينها ثم دنياها مطالعة و محبة للمعرفة غير متشبعة بها تنهال منها بقدر و لا تعقد تنازلات لعرض من الدنيا زائل ، انثى تبحث في كل خطوة عن رضا الله و تضرب بعرض الحائط كل ما يعرقلها عن تلك الغاية السامية هي قوية بثباتها، بجهادها، بسعيها لوقارها رغم قرارها البيت الا انها مجد للامة و حصانة كفلها الله بحقوق اسلامية يحسدها كل من رآها بعين الحق و ليس متبلدة عقل و امعة كما يظن الكثير فمن ارادت العلم سعت له دون التغريد خارج السرب دون شذوذ و من ارادت ان تنفك عن سربها ستجد نفسها تحلق تحلق ثم ما تلبث ان تبحث عنه و حضها اذا لم يقتنصها الصياد..

فيا سادة يا كرام ان تكون احدانا ماكثة في بيتها لا يعني ان تصوم عن المعرفة و الابداع و ان عدم ارتياد الاماكن و المشاركة المباشرة في الحياة العامة من دراسة و تدريس و عمل لا يعني بالضرورة انها عاطلة فهي لها ادوارها و نشاطاتها التي لا تقل اهمية عن غيرها مهما كان مركزهن فحسن تدبير الشؤون و حسن استغلال الوقت في كل ما هو نافع و ذو فائدة هو الهدف مهما تعدت السبل و لا تقل احداهن عن اخرى و لكن لكل طريقته في الحياة و رونقه الخاص و حين نسمع الاية وقرن بيوتكن ادعو ان لا نسمعها اي كنّ محبوسات خادمات لا تغنين او تسمنّ من جوع فقرار المكان ليس قرار العقل و الله اعلم مني و منك بما هو افضل للمرأة و ميزها تميزا قد تراه احداهن بعين النقص و هو في الواقع عين الكمال و الواقع خير شهيد و لست ادري كيف يظن الظان منا ان تحقيق الذات لا يكون الا خارجا و ان ما يحققه الرجل من جهد و شهرة و نجاح في قوامته او عمله هو ما خلقنا لاجله و كأن ما هو دونه قليل و انه دور البطل و ان باقي الادوار ثانوية و ما هذا ليس الا تشويها لما بين يدي الانثى من رونق و صفاء و عظمة كرمها بها الله لتنال فضل بناء النشأة و الامة بأكملها و انها يمكنها ما يمكنها فعله و ان كانت ماكثة بيت فالعبرة بالارادة و ليس بالانقياد.